لم تكن أبو ظبي، منذ بضعة عقود، سوى دور مبنية من الطين وأزقة ضيقة متعرجة ونخلات متفرقة هنا وهناك، وميناء يستعمله البحارة لرسو قواربهم الشراعية، أو للانطلاق في البحر بحثاً عن اللؤلؤ والأسماك. وكان يحكمها رجل اسمه شخبوط، استطال حكمه ثمانية وثلاثين عاماً (1928 - 1966). لكن هذا الحال تبدّل يوم 4 تموز/ يوليو 1962، عندما رست ناقلة النفط البريطانية «بريتش سيغنال» قبالة الميناء الصغير لجزيرة داس في الخليج العربي.
وحُمِّلَت الناقلة بكميات من النفط الخام (254 ألف برميل) الذي أنتجه حقل أم الشيف البحري التابع جغرافياً لمشيخة أبو ظبي. كانت تلك الشحنة أول ما أنتجته أبو ظبي من النفط المكتشف حديثاً في سواحلها.
في أواخر عام 1962، وصل مندوبو شركة البترول البريطانية (BP) يحملون نصيب الشيخ شخبوط حاكم أبو ظبي من ريع البترول المستخرج من أراضيه. كان المبلغ مليون جنيه إسترليني بالتمام والكمال. ولم يكن الشيخ قد رأى مثل هذا المبلغ الهائل، ولا حلم به يوماً في منامه. واقترح مندوبو «بي بي» أن يودعوا المبلغ المذكور في حساب مصرفي يفتح باسم شخبوط، في البنك البريطاني للشرق الأوسط ــ فرع أبو ظبي. وكان الإنكليز قد افتتحوا ذلك الفرع البنكي في البلدة الصغيرة، قبل مدة قصيرة، لتسهيل المعاملات المالية. لكن شخبوط لم يستوعب فكرة إيداع ثروته الجديدة في مكان آخر غير بيته. وعبثاً حاول مندوبو «بي بي» أن يفهموا ابن نهيان أن المال سيبقى دائماً له، وأن لا أحد سيفتكه منه، وأن المصرف سيحمي النقود في خزائنه وسيمنحه فوائد على قيمتها، وأن أمواله وديعة في البنك يسحب منها شخبوط كيف ومتى يشاء... وبعد محاولات وتدخلات ووساطات وضمانات قبِل الشيخ أخيراً أن يذهب مع الجماعة الإنكليز إلى البنك حاملاً حقيبة المال بنفسه، وأنجز مبعوثو «بي بي» الإجراءات الكاملة لفتح الحساب الشخبوطي في المصرف البريطاني. وحينما عاد الشيخ إلى داره، جاءه بعض أولاده ليعلموه أن البنك يقفل أبوابه في المساء. وجزع شخبوط لهذا النبأ. كيف لهم أن يغلقوا أبواب البنك وفيه أمواله، من دون أن يستأذنوه أو يخبروه؟! وكيف يصنع هو إذا أحب أن يطمئن على أمواله في الليل؟! - لا هذا أمر لا يمكن أن يقبل به شخبوط. وعلى عجل، هرع شيخ أبو ظبي إلى البنك من جديد، وأخبر الموظفين أنه يريد أن يسترجع حالاً كل أمواله المودعة هناك. ولم يكن على المصرفيين إلا القبول برغبة حريفهم الغريب الأطوار.
خصّص شخبوط للمال غرفة في داره، وأغلق بابها بقفل ضخم، واحتفظ بمفتاحه الكبير تحت ملابسه. ومضى يخزّن الملايين التي يجلبها له الإنكليز كل فترة وأخرى، في ذلك المكان المغلق حتى أصبح مليئاً بأكداس من الأوراق النقدية. كان الشيخ يكنز أمواله داخل الحجرة المظلمة، ولا يصنع شيئاً آخر عدا ذلك. لا هو يصرف النقود، ولا هو يوظفها، ولا هو يستفيد بها أو يفيد أحداً غيره منها... إلى أن ضجّ به إخوته وعشيرته من آل نهيّان، وضاقت به لندن نفسها ذرعاً، فقرر الجميع أن ينحّوه عن الحكم، وينصّبوا شقيقه الشيخ زايد مكانه. وتمّ هذا الأمر بالفعل صبيحة يوم 6 آب/ أغسطس 1966. لكن المفاجأة كانت حين فتح آل نهيّان حجرة الكنز المقفلة بإحكام في بيت شخبوط، فوجدوا أنّ الجرذان قد أكلت أجزاءً هائلة من أوراق النقود.