«نحن من لحظة تشكيل الجيش السوري الحر كان شعارنا الأساسي لا طائفي لا سياسي لا حزبي لا قومي». هذه كلمات قائد «الجيش الحر» العقيد المنشق رياض الأسعد في حوار مع قناة «الجزيرة» في تشرين الثاني 2011. هذا «الجيش» كان الرافعة لـ«مدنية الثورة» ورمز «حماية المتظاهرين السلميين».الاسم والبيانات والخطابات صبّت في مجرى التسويق لـ«ثورة نظيفة» انطلقت في بلاد الشام لتخليصها من طغمة تسيطر على كل مناحي الحياة، أو كما نقلت عنه القناة القطرية بأنّ الأسعد ورفاقه حدّدوا «عقيدة الجيش الحر في الدفاع عن الوطن والمواطنين من جميع الطوائف».

لم يتعثّر هذا «الجيش» على نحو دراماتيكي سوى بعد ظهور تنظيمَيْ «جبهة النصرة» و«داعش». «الجبهة الاسلامية» وقبلها «حركة أحرار الشام» لم تمحُوَا الصورة التي رسمت للعمل المسلّح في سوريا. إلى جانب «ثورة الشعب» التي قادها «الحر»، كان «ضباطه» يرسمون معالم رجال مستضعفين يريدون من «العالم الحر» مساعدتهم دون شروط لكونهم «مع خيار الشعب ضد النظام».
هذه الصورة النظيفة التي دأبت كبرى وسائل الاعلام على ترويجها، مصحوبة بدبلوماسيي عشرات الدول لم تكن سوى ما يظهر على الشاشة. اليوم، يتباكى كثيرون على مآل «الجيش الحر» بعد الفورة «القاعدية» المسلحة في سوريا. ففصائل «الحر» توزّع جزء كبير من أفرادها على «النصرة» و«داعش» و«أحرار الشام»... أو «جيش CIA»، الذي كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست»، والذي يكّلف مليار دولار سنوياً للجبهة الجنوبية وحدها. وذلك، بسبب «ضعف التمويل» و«غدر الولايات المتحدة» وتدفق «الجهاديين الأجانب». لذلك طُمِسَ الخطاب الوطني الجامع لمصلحة التكفير والتطرّف.
يعتقد معظم المتابعين، أنّ أبا محمد الجولاني وأخاه أبا بكر البغدادي أدخلا تعابير «الصفوية» و«المجوس» و«حماية أهل السنّة» إلى قواميس العمل المسلّح في سوريا، لكن وثائق «ويكيليكس ــ السعودية» تتيح لنا التعرّف على نوعية الخطاب المستتر لقائد «الجيش الحر» رياض الأسعد، وعلى نوعية مطالب «جيشه»، إضافة إلى نوع جديد من التحليل في سبيل جذب الودّ السعودي المذهبي، فـ«الحر»، مثلاً، يخشى «المؤامرة الماسونية» أيضاً التي تصبّ في مصلحة النظام السوري.

حرب تموز 2006 كانت لإنشاء الكيان الشيعي في لبنان بمساندة النظامين السوري والإيراني وبموافقة غربية

ففي رسالة من الأسعد إلى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في 12 آذار 2012، يبدأ الأسعد بتقديم نبذة عن «الجيش الحر»، الذي انشق عناصره من «عصابات النظام، الذي يستقوي بالدعم اللامحدود من النظام الإيراني، إضافة إلى ما يقدمه إليه النظام الشمولي الروسي». يضيف الأسعد: «إن الشعب السوري يخوض حرباً ضد النظام الصفوي متمثلاً بالعائلة الحاكمة في سوريا ومن ورائها النظام الإيراني المجوسي. وإننا نقدّر عالياً مواقفكم المشرّفة والأخوية الصادقة والمسؤولة التي أبديتموها في أكثر من محفل. وإننا نطمع بكرمكم وأخوتكم الصادقة بدعمكم لنا من خلال موقعكم كحماة لأهل السنة والجماعة، أن تقفوا إلى جانبنا، لنتمكّن من القيام بواجبنا بالدفاع عن ديننا وأعراضنا وعن أهلنا، ونأمل من سموّكم تشكيل لجنة تواصل بيننا وبينكم من أجل الحوار بالسرعة الممكنة». ثمّ، عندما سعى الأسعد لإعادة هيكلة «الجيش الحر» وضمّ العشائر والقبائل السورية، طلب «باسم كافة أفراد الجيش الحر وباسم الشعب السوري»، من المملكة «احتضانكم للحراك السوري من منطلق حرصكم وحفاظكم على حرمة الدم السوري... وإذ نعلمكم بأننا نسعى لتوحيد جهود الحراك بهيكلية الجيش السوري الحر مع توحيد كافة القبائل والعشائر السورية، التي تع أكثر من نصف السكان في سوريا، إضافة إلى كافة الفئات المجتمعية». وأمل «من حكومة خادم الحرمين الشريفين احتضان هذا التوجه ودعمه للاستفادة القصوى من حكمة وحنكة خادم الحرمين الشريفين اطال الله عمره وجعله ذخراً لنا، الذي نعده بمثابة الاب الحنون الحاضن للشعب السوري»، طالباً «من مقام سموكم الكريم (سعود الفيصل) تحديد موعد للاجتماع معكم شخصياً لاطلاعكم على تفاصيل هذه الهيكلية، واخذ مرئياتكم تجاهها والاستئناس برأيكم وتوجيهاتكم حيال ذلك باقرب الاجال».
قبل الأسعد، كان «المستشار السياسي للجيش الجيش السوري الحر» قد أرسل بريداً الكترونياً لسفارة المملكة في أنقرة في 2 اذار 2012، «يتضمّن طلب امداد الجيش الحر بالسلاح للسيطرة على مناطق مهمة في سوريا ومنع إقامة دولة طائفية». رسالة «المستشار» التي وصلت كـ«وثيقة مشفرّة» إلى الرياض، قال فيها الأخير «كونوا على يقين بانه عند امتلاك الاسلحة المضادة للدبابات والقناصات سيكون بامكان الجيش الحر السيطرة الحقيقية على مناطق مهمة في سوريا في فترة زمنية قياسية واعلانها مناطق محررة، لتكون نقطة انطلاق لتحرير باقي سوريا ومنع إقامة الدولة الطائفية».

«القاعدة» سوري ــ إيراني... والاسلام «مقتل الماسونية الانكليزية»


عند امتلاك الاسلحة سيكون بإمكان الجيش الحر السيطرة على مناطق مهمة لمنع إقامة الدولة الطائفية

ويرى في رسالته أنّ «احتمال وجود القاعدة والمتطرفين في سوريا ما هو إلا لتأثيرات مباشرة من الطرف الاخر عليها... فأميركا تعرف تماماً أن القاعدة رؤوسها موجودة في إيران، وأنها صناعة سورية إيرانية بامتياز ، ولكن عرفوا كيف يضربون علاقتها وعلى نحو سريع مع مصر ما بعد مبارك، من خلال استفعال مشكلة المنظمات الانسانية مع اميركا، التي كان أحد أهم أهدافها وقف الاندفاعة الأميركية في التعامل مع الربيع العربي، وخاصة قبولها الأحزاب الإسلامية، وقبول كذلك الإسلام بحد ذاته كأمر واقع يمكن التعامل معه بدون تخوف.. وهنا كان خوفهم من أن يكتشف الأمريكان أن التعامل مع الإسلام على نحو مباشر ليس فيه شيء يضر بالأمريكان وبمصالحهم.. ولكن وفق حسابات الماسونية هذا معناه مصيبة بالنسبة لهم.. فكلما ظهر للعالم وللأميركيين خاصة أن هذا الدين هو دين السلام والمساواة.. فهذا بحد ذاته مقتل الماسونية الإنكليزية، فالشيطان يعرف قيمة الفضائل، ولكن وبطبيعته هو عدو لها، وكذلك الماسونية الإنكليزية».

سلاح حزب الله مقابل الثورة

ويلفت في قراءته السياسية الرصينة إلى أنّ «موضوع الضغط على النظام السوري الذي رأيناه من قبل الغرب عندما قتل رفيق الحريري... ومن بعدها استغلال الثورة السورية الشريفة، ليس أكثر من محاولة لمقايضة سلاح حزب الشيطان ببقاء النظام السوري، الذي يبدو أنهم حالياً قد توصلوا بشكل أو بآخر إلى هذا الاتفاق الأولي بينهم عليه... وليس معناه أن سلاح حزب الشيطان هو من أجل المقاومة ضد إسرائيل! وحتى الحرب التي نشأت بينهما في عام 2006 كانت غير مقصودة من قبل حزب الشيطان بقدر ما كانت رد فعل إسرائيليا متسرعا على خطف الجنديين... وحتى حسن (السيد نصرالله) قال إنه لو كان يعلم بأن خطف الجنديين سيؤدي إلى الحرب، لما خطفوا الجنديين؟
فلماذا يحاول زعيم القرامطة الجدد أن ينأى بنفسه عن اتخاذ قرار الحرب ضد اسرائيل (...) وبطبيعة الحال يفهم على نحو مباشر من موقفه هذا أن هذه الأسلحة (الصواريخ التي أعلن امتلاكها) ليست موجهة أساساً للحرب ضد إسرائيل، إنما لإنشاء الكيان الشيعي في لبنان، بمساندة كاملة مع النظام السوري والإيراني وبموافقة ومباركة غربية!».