ديسمبر على الأبوابسأكون وحيداً
لا بيت لي سوى الكلمات
سيفعل الأصدقاء ما بوسعهم لإضحاكي
لن أضحك كالعادة
بل سأذهب إلى غابة أحتطب منها
لا بدّ لي من مال وفير
حتى أكون تاجر سلاح
لقتل كلّ عبيد الأرض
وبدل امتطاء حصان
عليّ امتطاء عربة مدرّعةٍ

■ ■ ■

ديسمبر على الأبواب
ورأسي مملوءة رصاصاً وخراطيش
لي حزام ناسف
أفتح به البوّابات والمتاجر الفاخرة
أنا ملك الموت والضّحك السّاخر
ملك الأناشيد الآتية من مغارات بعيدة
والأضواء المشعلة التي يمرّ تحتها فرسان كثيرون
فرسان مدجّجون على عرباتهم التي تجرّها الخيول
الخيول التي تلمع آباطها بالماء والعرق

■ ■ ■

ديسمبر على الأبواب
وأنا أنادي حتى بحّ صوتي:
الرصاصَ.. الرصاصَ
المزيدَ من الرّصاص
أيتها الأشجار التي تبصق الدّم
يفكّر الأصدقاء بكسرة ومرقٍ
وبيْض وفير في السّلال
وأفكّر بضرس مقلوع لفتى
وبلحية منتوفة لرجُلٍ

¶ ¶ ¶
يفكّر الأصدقاء بأحذية جديدة أيام العيد
وأفكر بنبيذٍ
يجعلني أتأبّط العمارة التي أقيم فيها منذ أعوام
مُمسكاً بريشة عصفور
يفكّر الأصدقاء بسيارات جديدة كلَّ عام
وأفكّر بعدستيْن لاصقتين لعينيْ قطّة
أفكّر بأشياءَ كثيرةٍ حقاً
بعد أن أتيقّن أنّ عيوناً نامت للمرة الأخيرة

■ ■ ■

كثيرون يكتبون متخيّلين أمجاداً
وكؤوساً مُتْرَعَةً وجواريَ
وقصوراً حمراء وغلماناً
ويُخُوتاً عائمة في النور
وأنا أكتب فقط لأقهقه
مادّاً لساني الأحمرَ للسّماء
كثيرون يكتبون كي يرثوا الأرض
وأنا أكتب باحثاً عن مقصلةٍ
وأيام آحادٍ طويلة كعمر نوحٍ
وأيام جمعة مثل بقراتٍ عجافٍ
لفلّاح أضاع عمره وراء المحراث

■ ■ ■

لم أفكّر في المزارعين
فقد كنت مزارعاً
حيث النساء بمناجلهنّ أيام الصيف
والصّبايا وراء أغنام يقطفْنَ الفراشات
وشقائق النّعمان وأقحوانات بكلّ لون
لم أفكّر في البنائين
فقد كنت بنّاءً
آكل الاسمنت بأصابعي
وألعق الرّمل بشفتيّ

■ ■ ■

لم أفكّر في شيء بعد هذه السنوات
سوى بالجلوس على هضبة
منتظراً كأس شاي ساخنٍ بقطراته الثقيلة
مُنصتاً إلى أزيز البرّاد مثل عجوز
مُلقياً دوماً بأحطابٍ أخيرة
* شاعر تونسي