تعليم الطب بواسطة المحاكاة لم يعد ترفاً، بل مساراً ثابتاً باتت تنتهجه معظم جامعات العالم. فقد أظهرت الدراسات العالمية قدرة هذا النظام على إعداد الطلّاب لعلاج المرضى في الحياة الواقعيّة، والحدّ من المضاعفات الصحية الناتجة من الأخطاء الطبية.
وهنا تشير الدورية الأميركية المتخصصة بالبحوث السريرية "THE GLOBAL JOURNAL IN CLINICAL RESEARCH"، إلى أنّ الأخطاء العيادية (السريرية) التي يمكن تجنّبها مسؤولة عن موت أكثر من 400 ألف شخص سنوياً في الولايات المتحدة، وهي ثالث أكبر سبب للوفيات فيها، وهذه الأخطاء تعود إلى طرق تعليم الطب.
«المحاكاة» هي طريقة تعليمية مبتكرة للمتخصصين في الرعاية الصحية تعتمد على استخدام دمى مطاطيّة يمكن التحكّم بمؤشراتها الحيويّة، مثل نبضات القلب ونسبة الأوكسيجين وضغط الدمّ وغيرها، بواسطة الكومبيوتر. ويتعرض الطالب لوقائع مشابهة للحقيقة قبل التدرب في المستشفى على المرضى الحقيقيين.

المحاكاة تحدّ
من الأخطاء الطبية وترفع مستوى
الثقة بالنفس

ومن شأن هذا النظام الجديد تغيير مفهوم تعلّم الطب الذي كان يعتمد في السابق على المشاهدة ثمّ التطبيق ثمّ التعليم لنقل المعرفة المكتسبة، بينما بات قائماً الآن على التدريب المكثّف قبل التطبيق. كذلك فهو يسمح برفع مستوى الثقة بالنفس لدى الأطباء المتدرّبين الذين يتمكنون من ممارسة مهماتهم اليومية من دون أي مخاطر على المرضى.
كلية الطب في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) طوّرت منهجاً تدريبياً خاصاً بها في هذا المجال منذ عام 2009، وقد استحدثت في عام 2013 مركزاً ضخماً في فرعها في جبيل يقع على مساحة 900 م2، وينقسم إلى قسمين: مستشفى وعيادات خارجية. المركز يوفّر مكاناً مثالياً للأبحاث الطبية، وبيئة تعليمية آمنة تساعد الطلاب على تنمية مهاراتهم المهنية والشخصية من خلال بناء علاقات مميّزة مع المرضى.
مديرة مركز المحاكاة الطبية فاندا أبي رعد، تشرح قائلةً: "أسسنا المركز بعدما أضحت المحاكاة جزءاً لا يتجزأ من التعليم الطبي المعاصر، والتدريب المستمر للعاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وصيادلة، لتوفير خدمات علاجية عالية الجودة وحماية المرضى».
أبي رعد تشير إلى أننا "نركز على الريادة والتثقيف الطبي ونتعاون مع قسم الدراما في الجامعة، حيث تكتب سيناريوهات لنحو 30 طالباً ممثلاً يقومون بدور المرضى أو أهاليهم". طلاب الطب يتمرنون على العمل تحت الضغط، فيجلس الأساتذة المشرفون في غرفة مراقبة يقوّمون أداءهم لجهة قدرتهم على التفاعل في الحالات الطارئة في ما بينهم من جهة ومع المرضى وأهاليهم من جهة ثانية، وكلما تقدم هؤلاء في السنوات الدراسية، أصبح السيناريو أصعب. ويجري التحاور بعد انتهاء المشهد بنقاط القوة ونقاط الضعف لكل طالب بغية تحسين أدائه، أي إنّ المتابعة تكون فردية.
الكلية شرّعت أخيراً أول شهادة ديبلوم في المحاكاة السريرية في المنطقة وسلمتها لـ 22 طبيباً من مختلف الجامعات اللبنانية في تشرين الثاني 2016. وتسعى حالياً إلى نيل الاعتماد من الكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا.