مطلع العام الجاري، تقدمت شركة "أي بي سي ـ زنتوت" المشغلة لمعمل صيدا لمعالجة النفايات، باقتراح مخرج لأزمة تراكم النفايات في شوارع بيروت.
بموافقة اتحاد بلديات صيدا ــ الزهراني وبلدية صيدا (المشرفان على المعمل) ومساندة النائبة بهية الحريري، شرعت الشاحنات منذ ذلك الحين بنقل نحو 250 طناً من النفايات يومياً من العاصمة إلى عاصمة الجنوب لمعالجتها في المعمل لقاء بدل مالي تدفعه بلدية بيروت (95 دولاراً على الطن الواحد و 6 ملايين دولار لبلدية صيدا كمكافأة على دعمها)، إضافة إلى استقبال نفايات صيدا وجوارها التي تصل إلى نحو 250 طناً يومياً (يملك مساهمون سعوديون 86 في المئة، ويملك مساهمون لبنانيون، منهم مديرها العام نبيل زنتوت الأسهم الباقية). نقل النفايات من بيروت إلى معمل صيدا لم يكن الحل، بل نقل المشكلة من مكان إلى آخر.
على نحو تدريجي، لوحظ ارتفاع تلة من النفايات في الباحة الخلفية للمعمل الواقع عند الواجهة الجنوبية للمدينة. الحراس التابعون للشركة الموكلة إليهم حماية محيط المعمل، يمنعون الدخول إلى حرمه. لكن الروائح الكريهة المنبعثة من الداخل لم تقف عند أسواره. تمددت لتصل إلى معظم أرجاء المدينة وجوارها. ما سببها؟. كشفٌ أجراه مراقبو وزارة الصحة الأسبوع الفائت فضح وجود كميات ضخمة من النفايات والعوادم موضوعة في العراء، ما دفعهم إلى تسطير محضر بحق إدارة الشركة ومنحها مهلة لإزالتها. لفت شطاء بيئيون إلى أن الخمسمئة طن من النفايات التي يستقبلها المعمل يومياً تفوق قدرة استيعابه على المعالجة، ما أدى إلى تراكم عشرات الأطنان من دون معالجة. في حديث لـ "الأخبار"، أوضح رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أن "الكميات المتراكمة هي عوادم وليست نفايات غير معالجة. إذ إن الشركة كانت ترسل العوادم إلى معمل "سوكومي" في قب الياس. لكن المعمل توقف قبل أسابيع عن استقبالها، لأن معداته تخضع للصيانة". ووعد السعودي باستئناف إرسال العوادم قريباً، لافتاً إلى أن اتحاد البلديات فشل منذ سنوات في إقناع أي من البلديات الأعضاء باستقبال النفايات في مطمر صحي.
هل العوادم تصدر تلك الروائح الكريهة؟ حدد السعودي ثلاثة مصادر للروائح: أولاً المياه المبتذلة التي تصب في البحيرة المجاورة للمعمل التي نتجت من إنشاء الحاجز البحري بين جبل النفايات المزال والبحر لمنع تساقط النفايات في البحر، وثانياً النفايات في المعمل. أما المصدر الثالث، بحسب السعودي، فمن محطة تكرير المياه المبتذلة القريبة من معمل النفايات.

لا ينص العقد
على تعويض عن الأضرار التي قد
يسببها المعمل

برغم إزالة جبل النفايات، تحولت الواجهة الصيداوية الجنوبية إلى مكب للمشكلات. "ما هو البديل للشركة التي تُوجَّه إليها الاتهامات بسوء الإدارة؟" يتساءل السعودي. "هل نترك النفايات في الشوارع؟". يصرّ السعودي على الدفاع عن أداء "أي بي سي ــ زنتوت". يشير إلى أن شركة فرنسية متخصصة تراقب عمل الشركة وترفع تقريراً شهرياً. أما العقد المبرم بين "أي بي سي ــ زنتوت" والاتحاد، فينص على أنَّ توفير مطمر للعوادم هو من واجبات الاتحاد وليس الشركة، في حين أن الشركة "تعمل باستمرار على تطوير عملها وإدخال آلات جديدة، منها جبّالة استُقدمت لخلط العوادم بالإسمنت في إطار تصريفها". علماً بأنَّ الشركة كانت قد أعلنت في حملة إعلانية قبل عامين، البدء بإنارة الشارع الموازي للمعمل بتوليد الطاقة من العوادم.

خلل في عقد التلزيم

موافقة الشركة على استقبال 250 طناً من نفايات بيروت، إضافة إلى 250 طناً من صيدا وجوارها، طرح تساؤلات عدة عن قدرة المعمل على استيعاب تلك الكميات ومعالجتها وفق المواصفات المطلوبة وتصريف العوادم الناتجة منها. الروائح الكريهة المنتشرة في المنطقة منذ أكثر من شهر وتلال النفايات التي ارتفعت في باحته الخلفية، كشفت أن العمل لا يسير بالنحو المطلوب، معيداً إلى الأذهان تاريخ التشغيل وكلفة المعالجة المليئين بالشبهات.
هل تلتزم الشركة دفتر الشروط الذي وضعته الشركة الألمانية التي صممت المشروع؟ وإن لم تلتزم، فأي جهة تملك الصلاحية بمحاسبتها؟ وقعت الشركة الأميركية "أي بي سي" عقد اتفاق معالجة النفايات مع بلدية صيدا. بمراجعة العقد، يتبين عدم وجود نص يمكّن البلدية من إجبار الشركة على تطبيق المواصفات والشروط الصحية والبيئية. كذلك لا ينص العقد على تعويض المدينة والبلدية عن الأضرار التي تسببها في حال عدم تقيّدها بتطبيق بنود العقد كاملة. في العقد، المرجعية تعود إلى تقرير الخبير، لا إلى كشوفات فنية تقوم بها الوزارات المختصة. أما النزاع مع الشركة، فينتهي ــ حسب العقد ــ إلى هيئة تحكيم تعينها غرفة التجارة الدولية في باريس، وحكمها مبرم بدل أن يتولى القضاء اللبناني النظر بالأمر. واللافت أن لا بند جزائياً على الشركة إذا ما أخلّت بالشروط التي وقعت على التقيّد بها.




كيف سيُزال جبل العوادم؟

يُصرّ رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، على أنَّ الأكوام المتراكمة في باحة معمل النفايات في صيدا هي عوادم وليست نفايات. بعد مرور أكثر من أسبوع على محضر وزارة الصحة، لا تزال في مكانها. كيف ستُزال؟ المخاوف تتصاعد في المدينة من رميها في البحر كما حصل في خلال إزالة جبل النفايات أو في بحيرة المياه الآسنة، كما كانت تفعل الشركة المشغلة في السابق. السعودي أوضح أن جزءاً منها سيستخدم كردميات في ورش بناء في شرحبيل، وجزءاً آخر في تصوين حقول زراعية. أما ما يبقى، فتستخدمه البلدية في مجرى تنظيف وتأهيل مجرى نهر سينيق من خلال صب دعامات إسمنتية على جانبيه.