لطالما وجهت سهام النقد الى مشاريع المحميات في لبنان، باعتبارها غير بيئية في جوهرها. لا سيما مع انطلاقتها بداية التسعينيات، حين كان لا يزال الاعتقاد أن الانسان عدو الطبيعة، ويفترض عزله عنها لحمايتها. ولذلك تم إنشاء ما يسمى «المحميات»، أي المناطق الطبيعية المحمية من الإنسان.
مع أن الأنسان هو جزء من هذه الطبيعة، وكان يفترض تنظيم علاقته معها واستفادته منها، وليس عزله عنها! بناء على الانتقادات التي طالت هذه المفهوم، حصلت بعض التعديلات في هذه النظرة في بعض المناطق المحمية، إلا أن التحول الأكبر في هذه النظرة الانعزالية حصل منذ ثلاث سنوات مع جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL حين أطلقت مبادرة جديرة بالمراجعة، استبدلت فيها مفهوم «المحميات» التقليدي والمستورد بمفهوم «الحمى» القديم. هذا المفهوم الذي يأخذ بالاعتبار حياة الناس المحيطين والمستفيدين من دورة حياة الطبيعة. تهدف هذه المبادرة إلى «تحسين سبل العيش المجتمعات المحلية في مناطق الحمى من منظار اجتماعي واقتصادي وطبيعي». وقد تقدمت الجمعية كثيراً في طرح ثلاثة مشاريع من أصل 18، هي بمثابة حمى طبيعية عملت جمعية SPNL على إنشائها وتطويرها واستدامتها بالشراكة مع المجتمعات المحلية. وهذه الحمى هي: عنجر - كفرزبد في البقاع الأوسط، الفاكهة في البقاع الشمالي، وعين زبدة خربة قنفار في البقاع الغربي. يهدف هذا المشروع إلى تخفيف الضغط الاجتماعي والاقتصادي الناتج عن أزمة النزوح من سوريا الى لبنان، من خلال تحسين ظروف المزارعين والرعاة وصيادي الأسماك، وتشجيع وإحياء الحرف اليدوية التقليدية والتعاونيات النسائية. وتشمل أهداف المشروع التخطيط والدعم الاقتصادي والتعليم والترويج الاقتصادي للمنتجات في مناطق الحمى.
ويسجل لجمعية حماية الطبيعة في لبنان تعاونها مع البلديات والسكان المقيمين وقطاعات الإنتاج، في استعادة نظام الحمى (الذي بدأ اعتمادها قبل 1500 سنة) في مختلف المناطق اللبنانية، وسعيها لإعادة تكريس النظام الموروث في استخدام الموارد وتصنيف الأراضي وحمايتها في جرود الهرمل، وتطوير «مفهوم الحمى» التقليدي الموروث ليتلاءم مع تطلعات الألفية الثالثة وحاجات التنمية.
يعتبر نظام الحمى، القائم على التصنيف التقليدي للأراضي، وفق استخداماتها، من أهم الأنظمة التي تسهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم والمحافظة على الطبيعة ومواردها من خلال تكريس نظام تراثي اعتمدته الشعوب العربية ومارسته القرى والبلدات اللبنانية كتقليد موروث لاستخدام الأراضي، بما يضمن الاستفادة القابلة للاستمرار من الموارد الطبيعية، وبما يعني الاستثمار الرشيد للموارد والمحافظة على قدرة البيئة على تجديد مواردها.

العاقورة التي تشكل 1% من مساحة لبنان تدخل نظام الحمى


ويقصد من إحياء مفهوم «الحمى»، حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي لفائدة الناس وضمان الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وكل ذلك بالترافق مع تعزيز سبل عيش المجتمع الأهلي المحلي.

مركز دولي للحمى

يشدد المدير التنفيذي للجمعية أسعد سرحال على أهمية الشراكة مع البلديات وعلى الشراكة بين القطاعين الأهلي والخاص، لافتاً الى أن جمعية SPNL قد نجحت في توثيق شراكة ناجحة مع أفرقاء متنوعين في الكثير من المناطق، بينهم بلديات وقطاع خاص، كان آخرها الأسبوع الماضي مع نادي البقاع الغربي الذي يسهم بشكل جدي في إنجاح مختلف المشاريع التي تنفذ في مناطق الحمى لا سيما في البقاع الغربي، لافتاً الى أن رئيس النادي الأستاذ هنري شديد، قد وافق على استثمار قطعة أرض واسعة ضمن ممتلاكته لإطلاق المركز الدولي للحمى والذي سيعلن عنه في وقت قريب وسيشكل علامة فارقة ومميزة على مستوى الإسهام في حفظ الطبيعة وتطوير الدراسات العلمية وآليات الحفظ والتوثيق ودعم المجتمعات المحلية وحماية التنوع البيولوجي والإرث الثقافي والطبيعي. كما كشف لـ»الأخبار» عن قبول بلدية العاقورة التي تعتبر مساحتها 1% من مساحة لبنان، بأن تحول أراضيها إلى الحمى (الصورة)، عبر وقف التعديات بالصيد وتنظيم الرعي وتنظيم السياحة البيئية على قواعد التنمية المستدامة.




استباحة الأراضي الوقفية!



مع دخول العاقورة في نظام الحمى، تكون بذلك قد احتلت الموقع رقم 18 من المواقع التي دخلت في نطاق الحمى، بعد قبل السقي (أول تجربة عام 2004) وعنجر كفرزبد وخربة انفار وعين زبدة والقرعون والقليلة وشاطئ المنصوري وعندقت في عكار والمعبور الأبيض (كرم شباط) ومنجز في عكار.
يضاف الى ذلك ما يقارب 30 محمية في لبنان بينها 15 رسمية (البقية بين قرارات وقوانين)، يضاف اليها أملاك الأوقاف والأراضي الدينية التي تشكل المساحة الخضراء الأكبر من مساحة لبنان (بين 30 و40%) والتي بدأت تتعرض في الفترة الأخيرة لأنواع كثيرة من الاستثمارت المدمرة في المرامل والمقالع والكسارات وشق الطرق وما يسمى «استصلاح الأراضي» والقطع العشوائي واستقبال ردميات مدمرة... لقاء مبالغ من الأموال يتقاضاها بعض رجال الدين المستثمرين في القضايا المادية بدل تلك الروحية والأخلاقية.