«منشورات الجمل» تصدر عملين جديدن له: سركون بولص... كيف ننهض بعد الطوفان؟
كنا في أواخر المرحلة التي كان فيها البشر يتبادلون الرسائل الورقية، الشاعر البعيد سركون بولص، والشاعر الشاب والناشر وموزع كتبه باليد خالد المعالي. ليس هناك ما يُغري في الأمر أبداً، حيث ضيق ذات اليد، العالم الذي يتكوّن على إثر العالم الذي يتهدّم. الكلمة كرسول وحيد بين شخصين من جيلين عراقيين مختلفين، وسط غابة أشواك عراقية وعربية شائكة حقاً. هنا بضع رسائل من مراسلات ورقية والكترونية للشاعر سركون بولص ستصدر في خريف هذا العام عن «منشورات الجمل».
(خالد المعالي)


سان فرانسيسكو
مارس – 1991
عزيزي خالد
ها هي القصيدة. وأرجو أن أنتهي قريباً، من كتاب غضبي، وإلّا انفجرت. اذا انتهى سيكون لديك. قد أراك قبل ذلك، فأنا لم أعد أطيق أن أبقى هنا، أتنفّس نفس الهواء مع الحثالة التي قتلت أهلنا بتلك الوحشية التي ما زالت حتى ذكراها تُمرضني.....

أرجو الخير للعدد. كيف أشكرك يا رجل؟ مشتاق جداً...
اكتبْ. حبّي لك
سركون بولص

(بدون مكان وتاريخ)

عزيزي أبا الجوش .....
لم أستطع أن أعثر على عنوان السيدة البريطانية. اعذرني، يمكنك أن تتصل بها، ولديك رقم تليفونها. وهي تدري بك، ولديها عنوانك ورقم تليفونك.
أو اذا شئت، فلتنسَ المسألة وسوف نتصل بها فيما بعد.
لعن الله الفودكا، والاحلام الرديئة!
مع حبي سركون

(بدون مكان ولا تاريخ)

عزيزي خالد
رحلة سعيدة الى بئر الاحلام (أو الآلام، من يدري؟) والعودة سالماً الى قواعدك الركيزة.
صديقك
الباحث عن بئر

نهاية آب 1997

شوبنغن (ألمانيا)
عزيزي خالد
أعتقد يا مولانا أن الوقت حان لتُسرج جملاً ذا سنامين نحو مضارب البابطين. لعلّ حلمك المزدوج يحتوي على نبوّة مفيدة تعيننا على إذلال بعض المصاعب المقبلة، ومن يدري.... رغم أنني، كما تعلم، لست من أهل التفاؤل السابق لأوانه. «عذابنا»... المشترك قارب النهاية على ما يبدو، رغم أننا نحن الشعراء اخترعنا مفهوم «الأبدية». بضع صفحات أبقيتها عندي لأقرّر إن كنت سألغيها أم لا.
تفاصيل صغيرة ودقيقة جداً كالرسوم في «دليل إلى...» سنقررها عندما أراك، ونختم هذا الفصل من حياة الكتاب. لكن... أعتقد الآن، أنه حقاً «كتاب». أعرف أنك ستوافقني.
تمنّيات. (أم أمنيات؟)
المحب
سركون بولص

سان فرانسيسكو

6 مارس 2000
عزيزي خالد
سمعت أنك في عُمان هذه الايام، وأكيد أنك تدري ممّن سمعت، فأرجو أن تكون حمّال أكياس الدنانير هذه المرة، وليس حمّال الأسيّة، مثلي! حالي في تقدّم كلّ يومين، وفي تأخّر كلّ ثلاثة. على أنني أعمل كالمجنون – قراءةً وكتابة.
إليك «الوصول...» مُحّركاً بشكل دقيق، ومُنقّحاً قليلاً. أرجو أن تدقّق تماماً هذه المرة، فهناك – ما زالت هناك – أخطاء كثيرة. لي ملاحظات عديدة بشأن الكتاب (الاخراج، إلى آخره) لكنني سأنتظر حتى نتحدث. ومن يدري، فقد أراك في الربيع. دعوة الدنمارك جُدّدت، وأعتقد أنني سأكون جاهزاً للرحيل بعد شهرين..
إتصل.
أخوك
سركون بولص

30 أكتوبر 1991

عزيزي خالد
ها هو الكتاب أسلمه إلى أصابعك الذهبية ومفاتيح آلتك العصماء... ساعدني على انهائه وجوم الطقس الألماني في هذه القرية، والعزلة المطلقة التي لم تتخللها سوى نزهات قصيرة إلى منطقة شليزفيغ – هولشتاين القريبة حيث لا أحد غير الأبقار في حقول مشذّبة ووفود نشطة من الخنازير. أحب أن أجري عليه تراتيب جديدة، سَحباً وإضافة وتغييراً... بعد، أو حين أراك. سأذهب الى هامبورغ بعد أسبوع، وسوف أغيّر مكان إقامتي هذا بعد ذلك. سأتصل بك. أرجو أن أراك قريباً... لنا حديث.
محبة
سركون

عزيزي خالد بن الوليد

وصلتني عنك أخبار من هنا وهناك، ولم أسمع منك شيئاً (لا خبر، لا كفيّة، لا حامض حلو...) أتخيّلك تسحب «الكواني» المليئة بالريالات، وفي آثارك بضع عرائس شاردات..
أنا هنا، أجلس الآن في حديقتي، وأصغي إلى طائر له نوع من الغناء الفاشل في انبعاث المسرّة. لعله عقعق، أو ما بينه والزرزور. يذكّرني بعقعق آخر تعرفه جيداً في باريس، أصبح طامةً على أهلها بغنائه الرديء طوال سنوات. وها هو يكفخهم «بسيرته» في ثلاث لغات! على أن المهم هو حديثنا الحقّ: هذا الكتاب أصبحت رؤياه كاملة. فهو الآن أكثر من أنطولوجيا. إنه كتاب يبرّر عنوانه «رقائم لروح الكون». سيكون ذلك جلياً في المقدمة. كاد يكمل. بل فاض عن إطار الاكتمال، وعليّ الآن أن أحذف الكثيرين، أو أقلّل من صفحاتهم، ليتّسع الكتاب لآخرين أكثر أهمية من حيث إبراز تلك «الرؤية». أكثر السِّيَر مكتوبة، وسوف أعمل فهرساً مؤبجداً بأسماء الشعراء.
إذاً، يا مُجيّش العساكر في ظلام أيامنا البهيم، إليك بهذا الفيض الأوّل على أن أتبعه قريباً جداً بسيول آتية. كيف أنت يا رجل أين كتاب إيتل «هناك»؟ هل يمكن أن أحصل على نسخة على الأقل؟ لا تنسى أنني أنا من ترجمه! البقية سنتحدث فيها عندما أسمع منك.
ودمت
سركون بولص

سان فرانسيسكو
08/08/2004
عزيزي خالد
وصل النبيّ إلى مينائه بالسلامة. وها هو يأتيك بأجنحة البريد البطيئة. كانت رحلةً وأيّ رحلة! من برلين إلى هنا، من السنة الماضية إلى منتصف هذه. رحلة اكتشافات ومواقع خفيّة على الطريق لم أكن لأقع عليها لو لم أذهب إلى غايتي غوصاً حتّى العنق. واللؤلؤ كان ينتظر هناك، ولم يكن لمعةَ خُلّب، كما شككتُ في البداية. يمكن أن أقول أن جبران هنا يستحقّ صيتَهُ أخيراً، وبجدارة. سترى كلّ هذا عندما تقرأ نصّي. خصوصاً، عندما تقرأ المقدّمة. هي في الطريق، على أن المهم في كلّ هذا، هو أن جبران، هنا، تجسيدٌ لما كنتُ أريده دائماً أن يكون. لذلك فنبيّهُ هو نبيِّ أنا. ولم أكن لأقبل لأيّ نبيٍّ أن يكون أقلَّ من هذا.
عزيزي: لاحظ الفراغات بين المقاطع تحت إشارة *. وبين الفصول، إشارة ***. دقِّقْ في التحريكات. إنّها السرّ الذي يخفق تحت عباءةَ النبي!
وعليك سلام الأنبياء
سركون بولص