تقع الحكومة الحالية، كما الحكومة السابقة في تناقضات عميقة في كيفية إدارة ملف النفايات. يمكن أن نختلف في تحليل أسباب هذه التناقضات، بين ضعف الرؤية أو صراع المصالح أو أسباب أخرى كثيرة، إلا أن كل ذلك لا يغير شيئاً في طبيعة المشكلة.
الحكومة الماضية وقعت في التناقض أيضاً في قرارها رقم واحد الشهير بتاريخ 12/3/2016، المصحّح بموجب القرار رقم 1 تاريخ 17/3/2016 عندما أكدت على متابعة الإجراءات التنفيذية لتلزيم مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة بشكل مركزي، وحين أكدت في الوقت نفسه على حق البلديات واتحادات البلديات أو المناطق الخدماتية بأن تدير معالجة نفاياتها على مسؤوليتها إذا أرادت.
ثم عادت هذه الحكومة وأوكلت إلى اللجنة الوزارية التي شكلتها بموجب القرار رقم 10 تاريخ 11/1/2017، مهمة "دراسة مسودة ملف التلزيم العائد لمناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة الذي أعدّه الاستشاري RAMBOLL وإعداد الاقتراحات المناسبة ورفعها إلى مجلس الوزراء، خلال مهلة شهر واحد. هذا الخيار يتناقض مع المهمة، التي يفترض أن تكون من صلاحية وزارة البيئة ووزيرها عندما استعاد صلاحية وزارته، بوضع رؤية استراتيجية للحل المستدام. فكيف تعمل وزارة البيئة الآن على الإعداد لرؤية استراتيجية لإدارة النفايات على المدى البعيد واللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة تدرس ملف تلزيم لمناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة بقدرة 2000 طن يومي! وهو خيار استراتيجي بالمناسبة يمكن أن يلزم لبنان بحل قسم يتجاوز أكثر من نصف النفايات عبر إنشاء محطة للتفكك الحراري لمدة 15 سنة كما ورد في دفتر الشروط (كتاب مجلس الإنماء والإعمار رقم 857/1 تاريخ 29/2/2016)!؟ ألم يكن من المفترض انتظار إعادة تسلم الوزير الجديد ملفه ووضع الاستراتيجية الجديدة قبل مناقشة تلزيم محرقة مركزية كبيرة؟!
القرارات الماضية تم اتخاذها في ظل تغييب دور وزارة البيئة والوزير السابق بعد فشلها (وفشله) في إيجاد رؤية استراتيجية وخطة بديلة من خطة طوارئ عام 1997، وبعد الفشل في إجراء مناقصات بديلة وعادلة، وبعد التسبب بترك النفايات في الشوارع وأزمة كبيرة انتهت بخطة طارئة جديدة (مطمران في برج حمود وكوستا برافا) أكثر سوءاً بكثير من خطة عام 1997 إن لناحية نوعية المتعهدين والمناقصات أو لناحية المواقع ومضامين الخطة.
فأي رؤية استراتيجية ينتظرها لبنان من وزارة البيئة، إذا كان البعض في مجلس الوزراء يناقش مشروع معمل تفكك حراري يلزمنا بخيارات لا تقل مدتها عن 20 سنة بين الدراسات والمناقصات والتلزيم والإنشاء والتجهيز والتشغيل والصيانة؟!
معنى ذلك أن الصدام سيكون حتمياً، إذا كان وزير البيئة طارق الخطيب سيستعيد صلاحياته ويضع رؤية استراتيجية بعيدة المدى، قد لا يكون خيار التفكك الحراري بينها. وهذا ما نرجحه إذا كانت الاستراتيجية الموعودة قد انطلقت من مبادئ الاستدامة والتخفيف وتقليد دورة الطبيعة وحفظ الموارد ومنح الأولوية لإمكانية استردادها على الاستفادة من طاقتها الحرارية، مع العلم أن القسم الأكبر من نفاياتنا المنزلية عضوية ورطبة، ومع العلم أن الاستشاري نفسه، كان قد نبه إلى أن القيمة الحرارية (calorific value) لنوعية النفايات الصلبة في لبنان تبلغ حوالى 7.4 MJ/Kg، وبالتالي يقتضي رفعها إلى حوالى 9 MJ/Kg تسهيلاً لعمليّة الحرق (دون خلطها مع المشتقات النفطية)، طالبين فرز وتسبيخ المواد العضوية بنسبة 15 إلى 20% قبل معالجتها في مركز التفكك الحراري! وهذا يعني، أن خيار الحرق لا يمكنه أن يستغني عن عملية الفرز، ولا عن خيار التخمير للمواد العضوية المشكو منها، ولا عن خيار الطمر للمتبقيات أو العوادم… وإن الضحية الكبرى لهذا الخيار ستكون المواد القابلة لإعادة التدوير، ومصانع إعادة التدوير. وإذ يفترض بالمتحمسين لهذا الخيار أن يقرّوا أنه ليس بديلاً من شيء إذاً ولا يحل أي مشكلة، وأن ليس من مبررات قوية له سوى القول، بأننا لم نجد أماكن لمطامر… لماذا لا ننتظر استراتيجية وزارة البيئة التي يفترض أن تكون متكاملة ومبنية على مبادئ استراتيجية عادلة وعلمية؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]