انتظرت بيجا رحماني جدها وجدتها لساعات طويلة في مطار دوليس الدولي في واشنطن. الفتاة الأميركية ــ الإيرانية البالغة من العمر 25 عاماً لم تستطع أن تتمالك أعصابها بعد سماعها خبر بدء تنفيذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحظر دخول الإيرانيين مؤقتاً إلى البلاد، فيما كانت تنتظر جدّيها. تسير بتوتر في أروقة المطار، تسأل العاملين هناك عن أي جديد، تتحدث على الهاتف، وتروي قصتها لكل من حولها.
بعد طول انتظار، انتشرت صور بيجا على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تعانق جدها وجدتها المقعدين، ويتحركان على كرسي متحرك. ووسط صيحات التهليل والدموع، أعيد لمّ شمل العائلة، لتصبح نهاية قصتهم بداية لواقع جديد لم تعد معالمه واضحة، وفرضه الرئيس المثير للجدل.

«شكراً ترامب»

«شكراً ترامب، الولايات المتحدة باتت أكثر أماناً اليوم بعد اعتقال رجل مسن كفيف»، هي واحدة من بين ملايين التغريدات الغاضبة التي اجتاحت «تويتر»، بعد إصدار الرئيس الأميركي الجديد قراراً تنفيذياً بمنع دخول مواطني 7 دول إلى الولايات المتحدة الأميركية. وأوقفت السلطات في المطارات الأميركية العشرات من رعايا الدول السبع المشمولة بقرار الحظر. وقالت وزارة الأمن الداخلي إن نحو 375 مسافراً «يمثلون أقل من 1 في المئة من المسافرين» تأثروا بالقرار، في حين أشارت تقديرات «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» إلى أن 200 شخص تقطعت بهم السبل في المطارات أو منعوا أصلاً من السفر إلى البلد الذي يمثل موطناً بالنسبة إلى معظمهم.
تبرير ترامب لقراره بأنه يهدف إلى «حماية الولايات المتحدة من الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين» من خلال فرض قيود على الهجرة، لم يلقَ سوى آذان صماء، وحتى أصوات المؤيدين له ضاعت وسط ضجيج وسائل الإعلام التي لم تتوقف عن انتقاد ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وحملات التضامن الفردية والجماعية، التي تسابقت على نقل قصص الضحايا الحقيقيين لهذا القرار، من عائلات وطلاب ومهندسين وأطباء.

طالبة دكتوراه سودانية: كبّلوا يديّ واحتجزوني
خمس ساعات
وتشير بيانات وزارة الأمن الداخلي الأميركية إلى أن الدول التي طالها القرار، وهي إيران والعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال، أرسلت نحو 86 ألف زائر إلى الولايات المتحدة في 2015، وحصل أكثر من 52 ألف شخص من هذه الدول على إقامة دائمة في ذلك العام. كذلك أكّدت الصحف الغربية أن «نصف مليون شخص» من هذه الدول يحملون الإقامة القانونية الدائمة في الولايات المتحدة، على امتداد السنوات العشر الماضية، وأن نصفهم تقريباً من إيران والعراق، فضلاً عن «حوالى 25 ألفاً» من أصحاب تأشيرات الطلاب أو العمل. وقام مستخدمو وسائل التواصل بنشر تجاربهم الشخصية مع شرائح مختلفة من المسلمين الذين اندمجوا وباتوا جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع الأميركي.
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الجديد يتفاخر بـ«حسن سير» عملية تطبيق قرار الحظر في المطارات، أكّد مسؤولون في وزارتي الأمن الداخلي والخارجية أن إدارة ترامب، التي رفضت إطلاع المطارات مقدماً على تفاصيل القرار وكيفية الاجراءات الأمنية، «أخفقت» في استيعاب مدى تعقيد تنفيذ الأمر الرئاسي. وتظاهر مئات الأشخاص تلبية لدعوات عدد من الجمعيات الحقوقية في مطار جون كينيدي في نيويورك، وكذلك في مطارات في دالاس وشيكاغو وغيرهما، في مشهد يعكس بصورة واضحة الانقسام الحاد في المجتمع الأميركي، ويؤكد ولادة ما يتم تسميته بـ«مقاومة» تخطّت حدود العالم الافتراضي وبدأت تترجم بحركة تصاعدية على الأرض. ورأى الأستاذ في معهد «أوكسفورد إنترنت»، فيليب هاورد، الذي درس دور مواقع التواصل الاجتماعي في أحداث «الربيع العربي»، بعض نقاط التشابه بين تلك الحركات وما يحدث اليوم في الولايات المتحدة، إلا أنه أكّد أن مدى تأثير هذه الحملات غير واضح «إذ إن ترامب وفريقه، عكس الحكام العرب، لديهم نشاط قوي وفعلي على تويتر وفايسبوك، سيساعدهم على مواجهة وتحدي الروايات المعارضة».
وفضلاً عن اعتمادها على الضغط الشعبي والإعلامي، لجأت هذه الجمعيات إلى القضاء، الذي أهداها انتصارها الأول من خلال الطعن في قرار ترامب. فوفق وثيقة صادرة عن المحكمة الفدرالية في بروكلين، أول من أمس، فإن القاضية آن دونيلي، وفي أعقاب المراجعات التي تقدمت بها منظمات حقوقية عدة، أبرزها «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، حول توقيف عراقيَّين كانا يحملان تأشيرات هجرة شرعية في مطار كينيدي مساء الجمعة، أصدرت أوامرها للسلطات الأميركية بعدم ترحيل أيّ من رعايا الدول السبع إذا كانت في حوزتهم تأشيرات ووثائق قانونية. وعبّر المحتجون في بروكلين عن فرحتهم بقرار المحكمة، وهتفوا «كلنا مهاجرون» و«مرحباً باللاجئين»، كذلك رحّب الملايين من حول العالم بهذا القرار على مواقع التواصل. من جهته، رأى مدير «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، أنتوني روميرو، أن «هذا القرار يثبت أن الرئيس ترامب يصدر قوانين أو أوامر تنفيذية غير دستورية وغير قانونية، والمحاكم موجودة للدفاع عن حقوق الجميع»، في حين أوضح المحامي عن «الاتحاد»، لي جيليرنت، أن القضية «لا تزال في بداياتها، وهذا الحكم ما هو إلا أول الغيث». كذلك أصدرت قاضية فدرالية أخرى من فيرجينيا قراراً مماثلاً يتعلق هذه المرة بالمسافرين الذين أوقفوا في مطار دالاس.

«إرهابيون»... طلاب وأساتذة

وسط حالة من الارتباك والفوضى في المطارات، انتشرت عشرات القصص (معظمها لإيرانيين) في كل اللغات على وسائل الاعلام الأميركية والعالمية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، عن بعض الشخصيات التي تمّ توقيفها أو العائلات التي ستتأثر.
فمن ضمن الموقوفين عدد كبير من الطلاب والأساتذة الإيرانيين، مثل فاهيدا راسخ، وهي طالبة دكتوراه في جامعة ستوني بروك في نيويورك، ونرجس بياني، وهي طالبة دكتوراه في جامعة نيويورك وحاصلة على منحة كاملة، وسيد سوهيل سعيد سارافي، وهو وفق صحيفة «نيويورك تايمز» «عالم إيراني واعد» يدرس أمراض القلب والأوعية الدموية، وعلي عبدي، وهو طالب دكتوراه متخصص في الأنثروبولوجيا، ونزانين زينوري، وهي أستاذة في جامعة كليمسون.
وفي تعليق انتشر بشكل كبير على «فايسبوك»، كتب الأستاذ في جامعة يال، أمين كرباسي، أن زوجته ذهبت برفقة مولودته الجديدة إلى إيران، وقد لا تستطيع العودة. وفي قصة مماثلة، يخشى صالح تاغفيان، وهو أستاذ في جامعة أوكلاهوما، من احتمال عدم السماح لزوجته التي أيضاً تزور العائلة في إيران، بالعودة إلى الولايات المتحدة. وقال مسعود أفضلي، وهو مبرمج كمبيوتر إيراني قلق على مصير زوجته التي ذهبت برفقة ابنتهما البالغة من العمر ثلاثة أعوام إلى إيران: «أسّسنا حياتنا هنا... كنت قد اعتقدت أن إحدى قيم هذا البلد هي المساواة بين جميع الناس، بمختلف دياناتهم وأعراقهم». وتشير تقديرات «مجموعة الدراسات الإيرانية»، وهي منظمة أكاديمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى أن عدد الإيرانيين ــ الأميركيين تجاوز 691 ألف نسمة في 2004. ووفق المجموعة، فإنّ الإيرانيين ــ الأميركيين هم أكثر فئة عرقية لديها نسبة أفراد حاصلين على شهادات عالية، إذ إن واحداً من كل أربعة أميركيين من أصل إيراني يحمل شهادة الماجستير أو الدكتوراه.
أما الطالبة السودانية نسرين الأمين (39 عاماً)، التي تعدّ رسالة الدكتوراة في الأنثروبولوجيا أو ما يعرف بعلم الإنسان في جامعة ستانفورد وتعيش في الولايات المتحدة منذ 1993، فقالت إن حراس الأمن في المطار كبّلوا يديها واحتجزوها لنحو خمس ساعات. وأضافت الأمين، التي كانت في السودان لإجراء بحث أكاديمي، أنه تمّ استجوابها وتكبيلها بالرغم من امتلاكها البطاقة الخضراء.




أين السعودية؟

أثار القرار ردود فعل غاضبة في الأوساط الحقوقية والاعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وفي حين يقول ترامب إن الحظر سـ«يحمي الولايات المتحدة من الارهاب والتطرف»، تساءل الكثيرون عن سبب غياب عدد من الدول التي ارتبط اسمها بعمليات إرهابية حول العالم، وبالأخص السعودية.
ووفق محلل سياسة الهجرة في معهد كاتو CATO العالمي، أليكس نوراستي، فإن مواطني الدول التي شملها القرار، وهي إيران والعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال، لم يقتلوا أي مواطن أميركي في عمليات إرهابية على الأراضي الأميركية. في المقابل، من المستغرب أن الإدارة الأميركية لم تشمل في قرارها دولاً مثل السعودية والإمارات وأفغانستان وباكستان، نفّذ مواطنوها أكبر العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة.
وكان ترامب قد قال في كتابه الصادر عام 2011 «حان الوقت لاتخاذ موقف أكثر صرامة: فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً»، إن «السعودية هي أكبر مموّل للإرهاب في العالم. السعودية تأخذ دولارات النفط، أموالنا نحن، لتمويل الإرهابيين الذين يسعون لتدمير شعبنا، في حين تعتمد علينا لحمايتها». وعام 2015، عند سؤاله عن هذا الاتهام والسبب الذي يمنع الادارة الأميركية من محاسبة السعودية ومساءلتها، أجاب: «لست من أشد المعجبين بالسعودية... لكننا نحتاج إلى النفط».