على الرغم من أن ما يزيد على سنة تفصل عن الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في نيسان/ أبريل 2018، فإنّ الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية بدأت تحضيراتها الفعلية لذلك الاستحقاق، لسببين رئيسيين: أولهما الأهمية الاستثنائية التي تكتسبها الانتخابات المرتقبة، نظراً إلى المرحلة الحاسمة التي يمرّ بها العراق وانعكاساتها على مستقبله السياسي والاستراتيجي، وثانيهما أن انتخابات مجالس المحافظات المنتظرة في نيسان/أبريل 2017 ستشكل «بروفة» مصغرة لما يمكن أن تشهده الانتخابات البرلمانية وتفرزه.
انتخابات لا يُستبعد أن تتكرر فيها سيناريوات عام 2010، عندما خاضت قوى «التحالف الوطني» الاستحقاق منقسمة إلى قائمتين: «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و»الائتلاف الوطني العراقي» بزعامة إبراهيم الجعفري، ما أتاح لـ«القائمة العراقية» الليبرالية بزعامة إياد علاوي التصدر وحصد 91 مقعداً من مقاعد البرلمان؛ وكذلك سيناريوات عام 2014 عندما انقسمت أحزاب «التحالف الوطني» إلى ثلاث قوائم رئيسية هي: «دولة القانون»، «الأحرار» التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، و«المواطن» التابعة لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» بزعامة عمار الحكيم.

يراهن المالكي على إمكانية ترجمة إنجازات «الحشد» برلمانياً



الفارق هذه المرة أن الانقسامات قد تطاول القوائم نفسها، مترافقة مع عمليات تبديل مواقع، ستكون كفيلة بخلط الأوراق جميعها. على ضفة ائتلاف المالكي، تبرز الخشية من انشقاقات داخل «حزب الدعوة»، العمود الفقري للائتلاف، بعد تصاعد الحديث عن نية رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، تشكيل ائتلاف انتخابي مستقل تحت اسم «التحرير والبناء». نية يبدو أن الأمين العام لـ«الدعوة» يستشعر جديتها، ما يحمله، إلى جانب أسباب أخرى، على سلوك طرق احترازية تعزز رصيده وتقيه تداعيات أي خسارة داخل الحزب.
من هنا، يمكن فهم التصريحات والتحركات الأخيرة التي يقوم بها المالكي، وخصوصاً تجاه الفصائل الأقوى في «الحشد الشعبي». هو يراهن على إمكانية ترجمة إنجازات «الحشد» برلمانياً، بالاستفادة من تحالفاته مع أبرز وجوه الفصائل وقادتها. ولا يظهر، حتى الآن، أن ثمة «فيتو» إقليمياً على هذا التوجه، بل على العكس، تفيد المؤشرات بنوع من الرضاء به والمباركة له. ومن داخل العاصمة الإيرانية طهران التي زارها قبل أيام، أعاد المالكي التذكير بـ»أبويته» لـ«الحشد»، مشيداً بـ«انتصاراته» على تنظيم «داعش»، ومؤكداً استعداده للتوجه إلى سوريا حال الانتهاء من تحرير الأراضي العراقية.
تصريح ينبئ بتطلع رئيس مجلس الوزراء السابق إلى موقع سياسي متقدم، يستند إلى خيارات «الحشد الشعبي»، ويمنحه في الوقت نفسه الشرعية في أي خطوة مستقبلية قد يقدم عليها. ولن يتيسر ذلك، بطبيعة الحال، إلا بأغلبية نيابية مريحة تعيد للمالكي مجد انتخابات 2014 (عندما تَقدّم القوائم كلها، حاصداً 95 مقعداً)، وتُصدِّر أيضاً رموز «الحشد» التي أوقفت الزحف الداعشي نحو بغداد.
على هذا الأساس، تتضح غاية إعلان المالكي، من إيران، أن «حزب الدعوة» سيشارك في الانتخابات المقبلة بقائمة تتضمن شخصيات «مؤثرة وذات ثقل سياسي»، ولا سيما في ضوء معلومات عن مفاوضات في الشأن الانتخابي، بدأها الرجل مع «فيلق بدر» (بزعامة هادي العامري) و«عصائب أهل الحق» (بزعامة الشيخ قيس الخزعلي) وغيرهما من الفصائل والشخصيات (مثل أبو مهدي المهندس).

الصراع على رئاسة الوزراء

يدرك نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، أن العودة إلى منصب رئاسة الوزراء باتت أكثر صعوبة بالنظر إلى المعارضة الواسعة التي يلقاها من منافسيه «الشيعة»، لكن العودة بأغلبية نيابية تتيح الإتيان برئيس وزراء من داخل «ائتلاف دولة القانون» ليست مستحيلة.
سيناريو شرعت دوائر المالكي في الترويج له بالحديث عن أن الهدف هو تحقيق الأغلبية، على أن يُترك قرار اختيار شخصية لرئاسة مجلس الوزراء لـ«قيادات الائتلاف ونتائج الانتخابات». يعزز السيناريو المتقدم أن منابر إقليمية رسمية لا تتردد في المجاهرة به.

يعمل العبادي
على تمتين علاقته بمناوئي سلفه داخل حزب الدعوة
فبالتزامن مع زيارة المالكي لإيران، نشرت وكالة «إرنا» الرسمية تقريراً طويلاً وصفت فيه إحجام الرجل عن الترشح لولاية ثالثة (عام 2014) بـ«الخطوة الحكيمة»، معتبرة أن «زعامة المالكي للأغلبية النيابية تمنحه القدرة والفرصة لمنع إمرار أي مخططات تضر بالعلاقات العراقية الإيرانية»، متوقعة أن تأتي الانتخابات المرتقبة بـ«نتائج إيجابية جداً للمالكي».
هذا الطموح بدأت دوائر واشنطن تتحسب له، مسدية النصائح بخصوص التعامل مع بلد «يضم خمسة أضعاف سكان لبنان، وسيخضع لسيطرة إيران المباشرة، إذا لم يتم أخذ الاحتياطات»، وفق ما جاء في دراسة حديثة لـ»معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى». تحذر الدراسة من أنه «بمساعدة المالكي، ما استغرق عشرين عاماً ليحققه حزب الله (في لبنان)، يمكن أن تحققه وحدات الحشد الشعبي في خلال سنتين». كما تحذر من أن «ترشح وحدات الحشد الشعبي للبرلمان أو دعمها لأي فريق سياسي سيؤدي إلى نتائج كارثية».
لذلك، تدعو الدراسة الولايات المتحدة إلى أن «تستخدم نفوذها قدر المستطاع في بغداد أو طهران أو موسكو لمنع قادة وحدات الحشد الشعبي من أن يصبحوا قادة سياسيين مؤسسين»، تحت طائلة قيام تلك الوحدات بـ«استخدام نفوذها العسكري على الحكومة العراقية للتحكم بالسلطة نيابة عن إيران، على نحو يشبه كثيراً ما فعله حزب الله في لبنان». ويوصي المعهد بـ«الاستفادة من ارتفاع القومية العراقية إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ سنوات»، في إشارة إلى «قوميين متحمسين» من مثل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.
الأخير وتياره ليسا بعيدين من حسابات المالكي وحلفائه. فزعيم «دولة القانون» يحاول توجيه ضربات «ناعمة» لخصومه الصدريين، تُخسّرهم نقاطاً في المنازلة الانتخابية. بعدما كان قد هددهم بـ«صولة فرسان ثانية» (شبيهة بالتي أطلقها عام 2008 ضد جيش المهدي) على خلفية التظاهرات التي اعترضته أثناء جولته الأخيرة في البصرة وميسان وذي قار، دخل المالكي «حرب المحافظين»، على الرغم من أنه لم يبق من ولاية هؤلاء إلا أشهر معدودة. وتسعى كتلة الأمين العام لـ«الدعوة» إلى استجواب محافظ بغداد، علي التميمي (المحسوب على الصدر)، بتهمة «الفساد المالي والإداري واستغلال المنصب لأغراض شخصية»، في ما تعتبره كتلة «الأحرار»، «استهدافاً سياسياً يسبق الانتخابات». كذلك، أطلقت كتلة المالكي حملة ضد محافظ ميسان، علي دواي (المحسوب على التيار الصدري أيضاً)، بتهمة «استغلال منصبه لمساومة موظفة في المحافظة».
في المقابل، أعلنت كتلة «الأحرار» نيتها استجواب محافظ كربلاء، عقيل الطريحي (المحسوب على المالكي)، على خلفية «شبهات فساد مالي وإداري، وتقييد لدور مجلس المحافظة الرقابي». وترافق هذا الرد مع كسر زعيم التيار الصدري المحظورات، وقيامه بزيارة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في ما فُهم على أنه توطئة لتحالف انتخابي. تحالفٌ تقوي احتمالاته علائم إضافية تجلّى آخرها الأحد، عندما تغيّب ممثلا الصدر والعبادي عن اجتماع الهيئة القيادية لـ«التحالف الوطني» الذي أعاد التشديد على مشروع «التسوية الوطنية».
يعتبر العبادي أنه الأحق بحيازة كتلة نيابية وازنة، والحصول على ولاية ثانية في رئاسة مجلس الوزراء، أخذاً في الحسبان «الانتصارات» التي تحققت في عهده، والمساعي «الإصلاحية» التي بذلها في مواجهة الفساد، إلا أنه يعلم صعوبة ذلك بالنظر إلى إمكانية قيام تحالف انتخابي عريض يضم «دولة القانون» و«المجلس الأعلى» و«الحشد الشعبي».
من هنا، يعمل العبادي على تمتين علاقته بمناوئي المالكي داخل حزب «الدعوة» من أمثال علي العلاق ووليد الحلي وطارق نجم وعلي الأديب، وحتى المحايدين الذين يمكن أن يشكل موقفهم بيضة القبان من مثل عبد الحليم الزهيري (ما يهدد بانشقاق الحزب مجدداً كما حدث عام 2006)، وفي الوقت نفسه يعوّل على عزل الصدريين عن عمار الحكيم واستقطابهم باتجاهه، أملاً بتشكيل ائتلاف انتخابي لخوض انتخابات مجالس المحافظات وجس نبض الشارع أولاً، ومن ثم الترتيب للانتخابات البرلمانية. لكن في كل الأحوال، لا تبدو مهمتا الصدر والعبادي سهلتين، نسبة إلى تراكم عناصر القوة لدى المالكي، واحتمالية عودته الرقم الأصعب.




الصدر لا يريد «الحشد» في الانتخابات؟

أطلق زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، أول من أمس، مشروعاً جديداً لـ«تحقيق الإصلاح»، تحت شعار «إصلاح الانتخابات وانتخاب الإصلاح». ويدعو المشروع، المكوّن من 35 بنداً، إلى التوصل «لقانون انتخابي يضمن عدم هيمنة الكتل الكبيرة على الكتل الصغيرة»، وهو المطلب الذي تدعمه أيضاً القوى والشخصيات ذات الماكينات الانتخابية المتواضعة، والتيارات المدنية التي تريد حصد مقاعد في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، تمهيداً لتكتلها وتشكيلها ماكينة قوية في انتخابات البرلمان.
وتعارض الكتل الكبيرة، وفي مقدمها «اتئلاف دولة القانون» الذي يريد تضييق دائرة معارضيه، بدعوى أن توسيع التمثيل يصعّب اتخاذ القرارات داخل مجالس المحافظات. ويدعو مشروع الصدر، كذلك، إلى تشريع قانون يمنع الفصائل المسلحة من زجّ أنفسها في العملية الانتخابية، في إشارة إلى فصائل «الحشد الشعبي» التي يخشى الصدريون تجيير نفوذها لمصلحة خصومهم. وكان زعيم التيار الصدري قد أعلن غير مرة رفضه تولّي أمين عام «الدعوة»، نوري المالكي، قيادة «الحشد الشعبي»، عادّاً ذلك «مخالفاً لفتوى ورأي المرجعية»، في حين كرر حلفاء المالكي مراراً الحديث عن أن رئيس الوزراء السابق هو من أسّس «الحشد» بعد سقوط الموصل وتكريت ومناطق عديدة في قبضة «داعش»، بناءً على فتوى من المرجع علي السيستاني. وإثر ذلك، شدد المالكي نفسه، في حوار صحافي، على «(أنني) لست القائد الميداني للحشد الشعبي، لكنني من المؤسّسين له»، لافتاً إلى أن «فكرتي عن تأسيس الحشد الشعبي موجودة منذ عام 2012، بعدما اشتدت المؤامرة في سوريا، وأدركت خطر تعرضها للعراق».
وطبعاً، يستعد العبادي لمواجهة المالكي في ملف «الحشد» أيضاً، حين سيقول إنه خلال ولايته جرى إقرار قانون «الحشد» في البرلمان (في شهر تشرين الثاني الماضي)!