كل المؤشرات الواردة من «النهار» تؤكد أنّ القائمين على الصحيفة اللبنانية الثمانينية يدورون في حلقة مفرغة، محاولين الخروج عبثاً من أزمتهم المالية المتفاقمة منذ نحو سنة ونصف سنة، حتى وصل بهم الأمر إلى «إذلال الناس والمراوغة والتحايل على القانون»، حسب تعبير صحافي مخضرم في المؤسسة، فضّل عدم الكشف عن اسمه.
بعدما أُعلن قبل فترة عن نيّة القائمين على الصحيفة التخلي عن نحو سبعين موظفاً، أصدرت «لجنة المتابعة للصحافيين والموظفين» في «النهار»، الأسبوع الماضي، بياناً كشفت فيه أنّ مجموعة منهم «تقدّمت بشكوى لدى وزارة العمل لمطالبة إدارة الصحيفة بتسديد الرواتب الشهرية المستحقّة لهم منذ 15 شهراً (بما فيها شهر كانون الثاني الحالي)». أعقبت ذلك زيارة قام بها بعض الموظفين الذين شكّلوا هذه اللجنة إلى وزير العمل الجديد محمد كبّارة، برفقة وكيلهم القانوني المحامي أكرم عازوري. وتداولت مواقع إخبارية عدّة أنباء عن طلب كبارة اجتماعاً ثلاثياً يضم ممثلين عن الطرفَيْن المتنازعَيْن والوزارة للتوصّل إلى صيغة نهائية للحل. وقد حاولت «الأخبار» مراراً التواصل مع الوزير للحصول على تفاصيل إضافية حول الموضوع، غير أنّها باءت بالفشل.
أجواء الموظفين تؤكد تعرّضهم لضغوط للتنازل عن حقوقهم أو حثّهم على الاستقالة مقابل الحصول على مستحقاتهم المالية المتأخرة، وهو ما يعتبرونه «ابتزازاً واستغلالاً» لظروفهم المعيشية الصعبة. ويوضح هؤلاء أنّ تأخرّهم في التحرّك يأتي من حرصهم على علاقتهم المتينة بالجريدة العريقة التي «أمضينا فيها أجمل سنوات عمرنا، وأسهمنا في نجاحها. بالنسبة إلى جزء كبير منّا، هي بمثابة ابنتنا التي ربّيناها برموش العين».

أكرم عازوري:
لا مساومة على الرواتب المتأخّرة، ولسنا أمام صرف تعسّفي

في 30 كانون الأوّل الماضي، وُزّع على الموظفين كتاب خطي موقّع من رئيسة مجلس الإدارة نايلة تويني، يشير إلى أنّ شركة «النهار» ش.م.ل. لا تزال «تبحث في كيفية معالجة الأزمة المالية التي تعاني منها، وبالتالي ليس من حاجة حالياً لتواجدكم في مركز عملكم لديها». وجاء في الكتاب أيضاً: «قرّرت إدارة الشركة الطلب منكم الامتناع عن الحضور... إلى أن يتم استدعاؤكم لاحقاً من أجل متابعة البحث معكم عن الحلول المناسبة في ما يتعلق بعملكم لديها. على أن تُحسم فترة عدم الحضور إلى عملكم من إجازاتكم السنوية. مع التأكيد أن هذا الكتاب لا يُعتبر و/أو يُفسّر بمثابة صرفكم من العمل...».
في سياق متصل، يؤكد المحامي أكرم عازوري لـ «الأخبار» أنّنا «لسنا أمام صرف تعسّفي، لأنّ الصرف لم يجر بعد، لا خطياً ولا شفهياً»، مشدداً على أنّه اشتُرط على الموظفين والصحافيين التوقيع على براءة ذمّة تفيد بأنّهم حصلوا على كامل حقوقهم من المؤسسة، لضمان الحصول على رواتبهم وأجورهم المستحقة منذ أشهر طويلة. وأشار إلى أنّه طلب من وزير العمل المساعدة في حل قضية دفع الرواتب «التي لا يمكن المساومة عليها، لأنّ أحداً لا يفاوض على حقّه المكتسب». أما في حال حصول الصرف التعسّفي، فـ «سيجري الحديث في حينه عن التعويضات المناسبة». ولفت عازوري إلى أنّ التوقيع على براءة الذمّة الآن يعني تنازل الموظّف عن حقّين قانونيين أساسيين، هما: الإنذار المسبق (بين شهرين وسبعة أشهر حسب مدّة العمل)، والتعويض الإضافي في حال الصرف غير المبرّر (من شهرين إلى 12 شهراً حسب مدّة العمل). عازوري الذي يرى أنّه إذا التزمت «النهار» القيم التي لطالما دافعت عنها، لن يكون الموظّفون بحاجة إلى وكيل قانوني، سيلتقي وزير الإعلام ملحم رياشي بعد عودته من السعودية ونقيب المحرّرين الياس عون قريباً للعمل على حلّ هذه المعضلة.
الصحافي المخضرم السالف ذكره، كشف أنّ بعض الموظّفين وافقوا على التوقيع على براءة الذمة، بسبب تقدّمهم في السنّ وخوفهم من المماطلة في تحصيل حقوقهم. أما الجزء الآخر، فهو بغالبيته من ذوي المداخيل المتواضعة وممن ليست لديهم وظيفة أخرى ويتكبدون منذ قرابة سنة ونصف سنة أعباءً مالية ضخمة لم تعد تُحتمل. وقد قرّر هذا الجزء المواجهة حتى تحصيل الحقوق. وكانت إدارة «النهار» قد عرضت على بعضهم الاستمرار في العمل على طريقة الاستكتاب (بينهم أسماء مكرّسة وأصحاب خبرة)، على ألا يزيد سعر القطعة عن خمسين دولاراً! وللمفارقة، وإثر تحرّك الموظفين على الأرض، أُبلغ العاملون في «النهار» أمس بأنّ شهرهم الثالث عشر المستحق من رواتب عام 2015، أصبح جاهزاً في الحسابات المصرفية.
يتذرّع القائمون على «النهار» حالياً بالأوضاع المالية الصعبة التي «تحول دون» دفع الرواتب والأجور، رغم أنّ أخباراً شبه مؤكدة تفيد بأنّ الأموال «مؤمّنة»، ولا سيّما بعد بيع نصف أحد الطوابق الثلاثة المملوكة للمؤسسة في المبنى الكائن وسط بيروت.
على خطٍّ موازٍ، وفي ما يتعلّق بالمشاريع المستقبلية، يستبعد مصدر مطلع داخل الجريدة أن تلقى «النهار» المصير نفسه لجريدة «السفير» التي أقفلت أبوابها قبل أيّام. ويتحدّث عن نيّة لدى المعنيين بخفض عدد صفحات الأعداد اليومية إلى ثمانٍ، من دون التخلّي عن الورق لمصلحة النسخة الإلكترونية. ويبدو أنّ التمسّك بالنسخة المطبوعة مرتبط بحجم الإعلانات التي تؤمّنها سنوياً، ولا يمكن الويب حصراً تأمينها.
في انتظار الفرج، يبقى الأمل في أن ينجح الموظّفون في انتزاع حقوقهم المشروعة، وألا تتحوّل مهنة المتاعب وأهلها إلى مكسر عصا!