طهران | توقف قلب الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني بهرماني عن الخفقان، عن عمر ناهز 82 عاماً. رجل السياسة و»ثعلبها» غلبته سنوات العمر المتقدم، ليشكّل رحيله المفاجئ صدمة في الجمهورية الإسلامية، التي كان أحد أبرز رموز صناعة ثورتها.
سنوات طفولته قضاها الشيخ هاشمي في قريته رفسنجاني التي حمل اسمها، لينتقل بعدها إلى دراسة العلوم الدينية في مدينة قم في سن الرابعة عشرة.
في أوائل الستينيات بدأت الحياة السياسية لرفسنجاني، مع انطلاق الحراك الثوري ضد الشاه بقيادة الإمام الخميني، ليعيش بعدها فترات من الاعتقال بفعل دوره البارز في قيادة الثورة، وخصوصاً بعد إبعاد الإمام الخميني إلى الخارج.
شكل انتصار الثورة، في عام 1979، الانطلاقة الأصعب في حياة الشيخ رفسنجاني، مع تسلّمه مركزاً قيادياً في إدارة الحرب المفروضة مع العراق، إضافة إلى تسلّمه منصب أول رئيس مجلس للشورى الإسلامي. في عام 1989، تسلّم السيد علي خامنئي قيادة الثورة الإسلامية، وانتُخب رفسنجاني رئيساً للبلاد لدورتين رئاسيّتين من ثماني سنوات.
في عام 2005، خسر الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية أمام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ليشغل بعدها في عام 2007 منصب رئاسة مجلس خبراء القيادة خلفاً لآية الله مشكيني، إضافة إلى منصب مجلس تشخيص مصلحة النظام. اختار بعد ذلك الابتعاد عن المناصب، بدليل التقدم في العمر ليفارق الحياة في مستشفى «شهداء» في منطقة تجريش شمال العاصمة طهران، إثر تعرّضه لنوبة قلبية.

آخر معارك رفسنجاني الانتخابية كانت بترشحه لعضوية مجلس خبراء القيادة

شهدت حياة رفسنجاني العديد من المحطات الرئيسية، التي بدأت منذ ما قبل الثورة إلى انتصارها، إلا أن تأثيره المباشر كان عند تسلّمه رئاسة الجمهورية، في عام 1989، حين سميت هذه المرحلة «سازندگی» أي البناء. كان الهدف، وقتها، إعادة إعمار إيران بعد سنوات الحرب الثماني مع العراق، والتي أعد من أجلها رفسنجاني خططاً للنهوض بالاقتصاد والحياة في إيران. بعد وصول الرئيس الإصلاحي الأسبق السيد محمد خاتمي إلى الحكم، تراجع نفوذ رفسنجاني، وكان حينها خارج الاصطفاف التقليدي للإصلاحيين والمحافظين، وما شهدته تلك المرحلة التي سميت دورة «الإصلاحات». في عام 2005، حاول رفسنجاني العودة مجدداً إلى رأس السلطة التنفيذية، فخاض الانتخابات الرئاسية ضد عدد من المرشحين لتكون المفاجأة بوصوله إلى المرحلة الثانية مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. التوقعات لم تكن تشير إلى فوز الأخير، إلا أن الشعب الإيراني قرّر أن يختار الرجل الشعبوي، بعد اتهام أفراد عائلة رفسنجاني بالثراء، ما دفع الناخبين إلى التصويت للرجل الفقير، الأمر الذي أدى إلى إيصال أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة. بعدها، تولّى رفسنجاني منصب رئاسة مجلس خبراء القيادة، وهو منصب حسّاس ومهم في هيكلية النظام الإيراني. في عام 2009، كان دعم رفسنجاني واضحاً لمير حسين موسوي منافس أحمدي نجاد، في الدورة الثانية، حيث أفرزت الانتخابات فوزاً كبيراً لنجاد وما تبعها من أحداث عُرفت بعدها بـ»فتنة 2009». بعد هذه الأحداث، تراجع الدور السياسي لرئيس مجمّع تشخيص مصلحة النظام، وما تبعه من انتقادات لأدائه خلال الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات، ليعود إلى الأضواء من جديد في عام 2013، حين قدم ترشحه قبل دقائق من انتهاء المهلة القانونية للترشح، وجاء حضوره في وزارة الداخلية متزامناً مع مرشح الرئيس نجاد رحيم مشائي. أعلن بعدها مجلس صيانة الدستور عدم صلاحية الطرفين للترشح، فرفض طلب رفسنجاني الذي كان تقدمه في السن أحد أهم الأسباب لرفض ترشحه. دفع هذا الأمر رفسنجاني إلى العودة من جديد، داعماً ترشيح الشيخ حسن روحاني الذي حصد الأغلبية من الدورة الأولى، بعد دعم التيار الإصلاحي وشخص هاشمي رفسنجاني له في الانتخابات، وهو ما اعترف به رفسنجاني بعد الانتخابات، بالقول إن دعمه لروحاني هو ما أوصله إلى سدة الرئاسة في وجه مرشحي التيار المحافظ.
آخر معارك رفسنجاني الانتخابية كانت بترشحه لعضوية مجلس خبراء القيادة، حيث حصدت اللائحة الائتلافية المدعومة منه معظم مقاعد طهران، فيما حقّق التيار الإصلاحي فوزاً ساحقاً في طهران، تحت عباءة رفسنجاني.
التحضير للانتخابات الرئاسية التي سيخوضها روحاني، تحت مظلّة رفسنجاني، في وجه منافسيه من التيارات السياسية، وخصوصاً المحافظين، كانت قد بدأت بحراكها بعيداً عن الأضواء، إلا أن الموت الذي غيّب الرجل سيعيد خلط الكثير من الأوراق على الساحة السياسية الإيرانية، لما كان يشكله من مركز ثقل يتجه إليه الجميع. فرغم معارضة التيار المحافظ لمواقف رفسنجاني، بعد انتخابات عام 2009، إلا أن ذلك لا ينفي أنه كان يمثل لقياديي هذا التيار مرجعية سياسية لحل الخلافات. وكان يلجأ إليه التيار الإصلاحي أيضاً، فكان وسطياً يميل إلى الإصلاحيين بسبب ابتعاد بعض المحافظين عنه، وبالتالي فإن فقدان شخصية سياسية مثله يعدّ خسارة للجميع في إيران.