في احتفالية متواضعة، استعادت mtv أخيراً تاريخ 25 عاماً على تأسيسها. في يوبيلها الفضي، ارتأت المحطة الاكتفاء بساعة وعشرين دقيقة قدّمتها منى أبو حمزة أبرز الوجوه الإعلامية في القناة. بدت منى التي غابت عن الشاشة لفترة طويلة نسبياً، أقرب إلى مذيعة ربط بين الفقرات. وقفت مقدّمة «حديث البلد» بين عدد من شاشات التلفزة، تُعيد سرد أبرز المحطات التي طبعت قناة المرّ وأهم «إنتاجاتها» في الدراما والترفيه والكوميديا. استُهل الكلام في الاحتفالية عن ظروف نشوء mtv التي خرجت بعد الحرب الأهلية، وتأسّست ضمن كعكة التحاصص الطائفي الإعلامي وتحديداً «الأرثوذكسي». بالعودة 25 عاماً إلى الوراء، «كنا عم نطوي صفحة الحرب» قالت أبو حمزة. لكن الناظر في مسيرة القناة طيلة هذه السنوات، لا بدّ من أن يلحظ أنها لم تخرج طيلة هذه الأعوام من هذا الخندق، بل استثمرته مراراً وتكراراً في خطابها وموادها الإعلامية، لا سيما الإخبارية منها. الصورة البرّاقة التي رسمتها المحطة في الذكرى عبر عودة بشريط استرجاعي لـ«إنجازاتها»، لم تتضمّن أيّ مراجعة ذاتية ولو طفيفة بعد هذه السنوات. افتخرت القناة بأنها من أوائل المحطات التي سعت لشراء حقوق البرامج الأجنبية والالتزام بالفورما الخاصة بها، وبأنها من القنوات التي رفعت سقف الكلام في البرامج السياسية في عصر «كمّ الأفواه». كذلك، هي التي حوّلت الـ «توك شو» من طرح الأسئلة إلى «طرح القضايا»، وفتحت الهواء لأكثر من 12 ساعة يومياً عبر سلسلة برامجها. استعانت قناة «المرّ» بمجموعة تهانٍ آتية من فنانين من الصف الأول لتعيد مع كل فاصل إعلاني نشرها من نجوى كرم إلى جورج وسوف، وصولاً إلى راغب علامة وغيرهم، مع التوقّف عند مفصل أساسي في تاريخها: أيلول (سبتمبر) 2002 عندما أقفلت لأسباب كثيرة ذكرتها المحطة من «ظهور ميشال عون» مراراً على شاشتها من باريس إلى فتح منبرها للمعارضين للنظام السوري، ليعاد افتتاحها مجدداً في نيسان (أبريل) عام 2009. طيلة هذه المشهدية، أظهرت mtv نفسها كشاشة بطلة وقفت في وجه «الاحتلال السوري» وكانت الصوت «المدّوي باسم المسيحيين». لا شكّ في أن القناة التي نشأت وواظبت على لغة ملوّنة غير العربية، وإن تحدثت العربية تكون اللغة اللبنانية المحكية في الدرجة الأولى، كانت تتزاحم مع غريمتها lbci وقتها على هذا الجمهور. في الشريط الاستعادي الذي بثّته المحطة، تخرج صولانج الجميّل وتنتقد lbci لامتناعها عن «بث قداس بشير الجميل». توجّهت الجميل إلى القناة المذكورة «التي أسسها بشير»، لتنفض عنها صفة «الحديث باسم المجتمع المسيحي».
تحريض على السوريين والعمّال الأجانب والمثليين... وتلميع صورة الإرهابيين وإسرائيل
نجحت mtv في لعبة الإبهار والصورة والألوان والاستقطاب أيضاً، دأبت وما زالت على تقديم هذه الخلطة بتقنيات عالية، وعلى رسم علامة جمالية واضحة الملامح على وجوه مذيعيها ومذيعاتها الحسناوات. لكن وراء هذا الستارة المخملية الجميلة، كان هناك كمّ هائل من السقطات الأخلاقية والإعلامية، وأيضاً في لغة الخطاب الوطني والسياسي.
بداية، تبنّت المحطة وما زالت، خطاب شدّ العصب المسيحي، مثيرة الذعر والتخويف عبر تنقّلها بين المناطق اللبنانية لمعاينة حركة «بيع الأراضي لغير المسيحيين». «تصدّى» مراسلها على وجه خاص نخلة عضيمي لهذه المهمة. ومع كل تقرير إخباري ينجزه، كان يحذّر من التغيير الديموغرافي الذي «سيأكل المسيحيين ويسلب أراضيهم». كذلك، تبنت القناة خطاباً تحريضياً وعنصرياً ضدّ اللاجئين السوريين. في السنوات القليلة الماضية، خرجت عشرات التقارير التي تحرّض على هؤلاء من زوايا معيشية مختلفة وتصوّرهم بهيئة الغيلان الذين سيبتلعون الأخضر واليابس في لبنان. من فوبيا اللجوء السوري إلى الهوموفوبيا واستهداف فئات أخرى مستضعفة في مجتمعنا، لم تكفّ المحطة عن توجيه سهامها باتجاه الجنسيات المختلفة في لبنان، وتصوير أفرادها أيضاً كأنهم لصوص ومرتزقة. لا أحد ينسى تقريرها عن منطقة برج حمود (2011) وتصويبها على العمال الأجانب هناك. وللمثليين/ات حصة أيضاً مع محطات عدة أبرزها مع الوشاية التي نفذها جوّ معلوف وقتها (2012) بصالة «سينما بلازا» المهجورة في النبعة بحقّ «أشخاص كانوا يمارسون أفعالاً تمسّ الحشمة». لاحقاً، تبرّأت المحطة من هذه التهمة بعد حملة افتراضية عنيفة عليها وأعلنت أنها تناصر «الحريات الشخصية». لكن الأمر لم يطل مع إخراج معلوف من المحطة على خلفية مسّه برئيس بلدية الدكوانة (ملهى «غوست») صديق آل المر انتخابياً.
من أنواع الرهاب إلى القضية الأكبر ربما في تاريخ المحطة: العدّو الإسرائيلي، إذ أصرّت المحطة على إيراد عبارة «إسرائيل» على خرائطها وتقاريرها المشبوهة، لا سيما تلك الآتية من مراسلها في «القدس» مجدي حلبي (المجندّ سابقاً في الجيش الإسرائيلي). كذلك، لا ننسى «زحطاتها» المتكرّرة في تغطية العدوان على غزة وعلى لبنان، في خرق واضح للقانون اللبناني الغافل عن المحاسبة في هذا المجال، عدا خلطها في المفاهيم بين عبارتي «استشهادي» و«انغماسي». وقتها عدت المناضلة سناء محيدلي من ضمن جوقة الانتحاريات. ولا أحد ينسى حلقة «تحقيق» (إعداد وتقديم كلود أبو ناضر) عن العميل زياد الحمصي وتلميع صفحته. من السقطات الوطنية إلى دخول عناصر جديدة في الفترة الأخيرة على المشهدية العربية والعالمية، إنّها الجماعات الإرهابية التي بسطت وفرضت نفسها بقوة إراقة الدماء. كانت mtv المحطة الوحيدة لبنانياً التي حظيت بتغطية صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين مع «النصرة». ولم تتوان وقتها عن الدخول في لعبة «أنسنة» هذا التنظيم الإرهابي.
مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وانعطافة المحطة في تبني خطاب تهدوي تجاه كل الأطراف، تكون mtv ختمت رحلة يوبيلها الفضي بتكريس خطّ انعزالي ذي خطاب تحريضي على الآخر: «الغريب». خطاب سياسي يناهض المقاومة ويمرر سقطات خطيرة تجاه العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى كسر الصورة الدموية للمنظّمات الإرهابية. هذه صورة أخرى للمحطة طبعاً، غابت عن أرشيفها الاسترجاعي الأخير، بقي الديكور والألوان البراقة حاضرين، لكن تشوبهما نقاط سوداء كثيرة لن تمحى بهذه السهولة.

http://mtv.com.lb/Programs/Entertainment_Specials