"إنّ الأعمال التي تُقام حالياً في المطمر هي غير صحيّة وتُسبّب تلوّثاً بيئياً وتضرّ بالصحة العامة والثروة السمكية. وفي حال احتواء جبل النفايات على نفايات مُشعّة وعدم استدراك خطورتها، فهي تؤدي الى أمراض مُميتة وخطيرة يُمكن أن تطال شريحة كبيرة من المواطنين القاطنين في هذه المنطقة". هكذا ختم الخبير جهاد عبّود (المُكلف من القضاء الكشف على موقع مطمر برج حمود) تقريره الذي رفعه منذ أيام، إلى قاضي الأمور المُستعجلة في جديدة المتن رالف كركبي.في ضوء نتائج هذا التقرير، حدّد القاضي كركبي، يوم الخميس المُقبل، جلسة لاستجواب مُمثلين عن الجهات المُدّعى عليها وهي: شركة الجهاد للتجارة والمُقاولات، شركة خوري للمقاولات والدولة اللبنانية ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل. وكان قد ادّعى عدد من المحامين الناشطين في 22/9/2016 عبر المُحاميَين حسن بزي وعباس سرور على الجهات المذكورة، مطالبين "بالتحقيق في مُجمل أعمال الشركات المُكلّفة العمل في مكب برج حمّود للنفايات، والكشف على جبل النفايات والتأكّد من إمكانية احتوائه على مواد سامة ومواد مشعة وإنارة المحكمة بالمعلومات لجهة الأعمال والمواد الكيميائية التي تضرّ بصحّة الإنسان والسلامة العامة".
أوصى التقرير بعدم الردم من أتربة الجبل لحين التأكد من خلوّه من النفايات المُشعّة

يقول المحامي حسن بزي في اتصال مع "الأخبار"، إن القاضي كركبي كلّف لجنة من الخبراء قامت بالكشف على موقع المطمر، الأسبوع الماضي، وتوصّلت الى خلاصات تقضي بإيقاف الأعمال الجارية. يُشير بزي الى أن الكشف الميداني فضح المخالفات الجسيمة التي تُقدم عليها كل من الشركتين في كيفية طمر النفايات، "بدون أي عملية فرز ومن دون مراعاة لضرورة معالجة النفايات السامة والخطيرة التي قد يحويها جبل النفايات المجاور للمطمر". بعد تسلّمه التقرير، عمد القاضي كركبي الى تقديم جلسة الاستجواب التي كانت مُقررة في 1/12/2016 إلى 10/11/2016، "نظراً إلى المخالفات والأخطاء الجسيمة التي يُشير إليها التقرير"، وفق ما يقول بزي.
لكنّ شركة الجهاد للتجارة والمقاولات مُلتزمة أعمال مطمر الكوستا برافا، فلماذا تم الادّعاء عليها؟ يُجيب بزّي أن الآليات التابعة للشركة المذكورة تقوم حالياً بنقل النفايات الى الموقع، حيث تعمد شركة خوري الى طمرها مباشرة في البحر، مؤكداً صيغة "التعاون" الحاصلة بين الشركتين في الموقع، "وبالتالي تحملهما المسؤولية".
يقول المتعهّد داني خوري في اتصال مع "الأخبار"، إن الدعوى بداية أتت ضدّ شركة "الجهاد للتجارة والمقاولات"، التي ليس لها صفة في تلزيم أعمال برج حمود، "بعد ذلك تم إدخالنا في الدعوى". هل تقوم شركة الجهاد بنقل النفايات الى الموقع؟ يُجيب خوري أن "سوكلين" لا تزال مُستمرة في مهماتها المتعلقة بنقل النفايات من معمل الكرنتينا، نافياً أن يكون على علم إذا ما تسلمت شركة الجهاد مهماتها من سوكلين بعد فوزها بمناقصة المعالجة والفرز. وبحسب مصادر مجلس الإنماء والإعمار، فإن شركة الجهاد ستتسلم مهماتها في شهر كانون الأول المُقبل، "الى ذلك الحين من المُقرر أن تستمر سوكلين في ممارسة مهماتها". من جهته، يؤكد المكتب الإعلامي لشركة "سوكلين" لـ"الأخبار"، أن مهمة نقل النفايات المعالجة من الكرنتينا الى موقع برج حمود هي من مسؤولية المتعهّد الجديد (شركة الجهاد للتجارة والمقاولات)".
أبرز الخلاصات التي توصّل إليها تقرير الخبير: "التأكد من وجود خلل في العمل وعدم مراعاة المعايير البيئية والصحية في مطمر برج حمود"، موصياً بوقف العمل مؤقتاً بالحفر في جبل النفايات وعدم ردم المطمر الصحي المُستحدث والبحر من أتربة هذا الجبل لحين التأكد من خلوّ هذه الأتربة من البراميل المُشعة أو السامة وبعد فرزها.
كذلك أوصى التقرير بتكليف المجلس الوطني للبحوث العلمية والهيئة اللبنانية للطاقة الذرية التي تعمل في حقل الوقاية من الإشعاع، من أجل الكشف على موقع جبل النفايات في برج حمود والمساعدة في إمكانية تحديد مكان وجود هذه المواد المُشعّة إذا وجدت. وفي حال وجدت المُساعدة، تكليف الجهتين المذكورتين تقديم المساعدة في كيفية نقلها (..).
وطلب الخبير من مُديرية المخابرات في الجيش اللبناني أو أي جهة أمنية تزويد الخبراء عن إمكانية معرفة موقع هذه المواد (..)، وإدخال الشركات المُشغّلة بالمساعدة في إحضار معدات لكشف التلوّث النووي لعدم تعريض العمال للتماس مع المواد المُشعة. وأوصى التقرير بفرض فرز النفايات قبل توضيبها، حسب الأصول، على الشركات الموضبة للنفايات، كذلك أوصى بالاستعجال في إنشاء معامل الفرز، قبل أن يختم بالتحذير من تداعيات النفايات المُشعة في حال التاكد من وجودها في الموقع، ويخلص الى أن الأعمال الحاصلة تضرّ بالصحة العامة وتسبب تلوثاً بيئياً.




من أين أتت النفايات السامة المدفونة في جبل النفايات؟

صيف عام 1987، أُدخلت الى لبنان كميات كبيرة من النفايات الصناعية والمواد الكيميائية السامة نتيجة اتفاق عُقد بين "المافيا الإيطالية" وأحد الأحزاب اللبنانية. وبحسب الباحث في السموميات البيئية والاختصاصي في علم الأدوية الطبيعية بيار ماليشاف، فإن هذه الكميات تُقدّر بـ 15 ألفاً و800 طن من النفايات السامة، إضافة الى 20 مستوعباً (راجع مقال تاريخ النفايات ــ الحلقة الأولى: سدرا والسموم للباحثة جيسيكا خزريك). هذه الكميات وُزعت على أماكن عديدة؛ من ضمنها مكبّ الكرنتينا. وعلى الرغم من عمليات الترحيل التي حصلت بين عامَي 1988 و1989، إلا أنّ كميات كبيرة بقيت مدفونة في مكبّ برج حمّود.
يُقدّر المُنسّق العام للائتلاف المدني الرافض لخطة الحكومة للنفايات رجا نجيم، وجود نحو 5000 برميل من المواد السامة في المكب ويقول: بين عامَي 1987 و1988 رُدم في المكبّ نحو 2500 برميل من البراميل السامة "المُستوردة"، "حينها لم يكن علوّ المكب يتجاوز الـ 5 أمتار عن سطح البحر". بعد ذلك، وبحسب نجيم، وقبل إقفال المكب نهائياً، أي في منتصف عام 1997، نُقلت الى المكب البراميل التي كانت موجودة في الكرنتينا، فضلاً عن البراميل التي اكتشفت في الفترات السابقة والتي لم يتم ترحيلها، وتُقدّر أيضاً بنحو 2500 برميل. عندما عرض الائتلاف هذه الوقائع منذ أشهر، كان يهدف الى القول إن من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن تربة المكب، كذلك تربة المناطق المُجاورة له هي ملوثة بدرجة عالية ويجب تعقيمها الى أقصى الحدود بالطرق العلمية الحديثة، وذلك درءاً للخطر الناجم عنه.