انتقل التوتر في العلاقات التركية ــ العراقية إلى مرحلة جديدة بعد تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي استهدفت رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. الرد على حديث أردوغان الذي جاء خلال حديثه لمجموعة من رجال الدين من دول آسيا الوسطى والقوقاز، جاء قوياً على لسان العبادي والمسؤولين العراقيين الآخرين للرفع من سخونة هذا التوتر، وخصوصاً مع استمرار التصعيد من قبل الطرف التركي في ما يتعلق بمدينة الموصل «العثمانية». فقد أكد أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أكثر من مرة أن أنقرة لن تقبل «تشييع مدينة الموصل السنية... عبر مشاركة قوات الحشد الشعبي» في عملية تحريرها. وآخر تصريحات جاويش أوغلو جاءت من الرياض أمس، حين أكد «ضرورة عدم تخيير أهالي الموصل بين داعش والمليشيات الشيعية»، فيما سبق لأنقرة أن أكدت أن جيشها لا ولن ينسحب من بعشيقة والشمال العراقي عموماً، حيث للجيش التركي وجود في نحو ١٠ مناطق.
تتحدث أوساط مقربة من أردوغان عن حق تركيا التاريخي بالموصل
في المقابل، حذر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء لقائه نظيره التركي من حصول «كوارث» طائفية في حال مشاركة قوات «الحشد الشعبي»، في معركة الموصل، مضيفاً أنه «من الأفضل على العراق أن يستخدم جيشه الوطني، وأبناء المناطق، وعناصر ليسوا محسوبين على إيران ومعروفين بالطائفية المتشددة، إذا أراد أن يواجه إرهاب داعش وأن يتفادى سفك الدماء والطائفية بين اولاد العراق الاشقاء».
أقوال جاويش أوغلو الذي أعلن عن زيارة مرتقبة لأردوغان إلى الرياض، جاءت لتؤكد مرة أخرى عقلية السياسة التركية تجاه المنطقة في ما يخص سوريا والعراق، ومن خلالهما إيران، أي «الحليف المذهبي» لهما برأيها. ودفع هذا التأكيد المتكرر بعض الأوساط المقربة من أردوغان للحديث بجدية عن «الحق التاريخي» لتركيا في مدينة الموصل، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تلتقي فيها مصالح مسعود البرزاني مع مصالح أنقرة التي لا تريد أن تترك العراق «لقمة سائغة لإيران»، طالما أنها تحظى بدعم الأطراف السنّية المختلفة في العراق وفي مقدمتها العشائر الموالية لطارق الهاشمي وأثيل النجيفي، بل وحتى «داعش» أيضاً.
والتقى جاويش أوغلو أمس، في الرياض وزراء خارجية دول الخليج وبحث معهم تفاصيل الملف العراقي وقضية الموصل، إضافة إلى جدول أعمال اللقاء المرتقب في سويسرا والمتعلق بسوريا. وتحظى أنقرة بدعم، بل وحتى بتحريض السعودية وقطر ودول الخليج الأخرى التي ما زالت ترى في إيران «الخطر الأكبر» الذي يهددها أكثر من إسرائيل.
في هذا الوقت، يعرف الجميع أن التحالف التركي مع وهابيي السعودية وقطر ومن يدور في فلكهما من الجماعات الإسلامية السياسية منها والمسلحة، يتطلب من أنقرة المزيد من التحرك الإقليمي، ومن منطلقات طائفية، مثل الطريق الذي سلكته في سوريا وهي مضطرة للاستمرار فيه في العراق ولاحقاً في لبنان الذي تستقبل القيادة التركية باستمرار قيادات أطرافه المعارضة لسوريا وحزب الله. وهو ما يفسر أيضاً سكوت أنقرة عن مجازر السعودية في اليمن بما ذلك المجزرة الأخيرة التي استهدفت الصالة الكبرى، كما يفسر دفاع أردوغان المستميت عن آل سعود في ورطتهم الخطيرة مع قرار الكونغرس الأميركي، إذ يوجه أردوغان، بصفته رئيس الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامي، رسائل عاجلة لرؤساء الدول الإسلامية، داعياً إياهم للتضامن مع آل سعود.
لم يعد لأردوغان أي صديق بسبب سياساته الاستبدادية ضد معارضيه، إضافة إلى خلافاته مع واشنطن والعواصم الغربية في موضوع الأكراد و«داعش» و«النصرة» في سوريا، فيما لا يدري أحد ما الذي حصل عليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أردوغان، وخصوصاً في سوريا، مقابل إنقاذه له من عزلته المميتة. وتبقى العلاقة الجدلية بين سوريا والعراق، مع المنطلقات الطائفية لسياسة أنقرة في هذين البلدين، المعيار الذي يمكن من خلاله فهم تصريحات ومواقف وتصرفات أردوغان الذي لا يمكنه أن يسعى من أجل السلام في سوريا، قبل حسم «حربه» في العراق، ولا سيما في الموصل.