بَذَلَ أهل القضاء جهدهم لإرضاء أهل السياسة، علّهم يُعطَون الإذن بإمرار مشروع تشكيلات قضائية جزئية. ولهذه الغاية، قام وفد من أعضاء مجلس القضاء الأعلى بجولات مكوكية على أفرقاء السياسة قبل المباشرة بإعداد المشروع وتوزيع القضاة. التقى الوفد جميع الأطراف، وحصل على ضوء أخضر منهم بعدما حُمِّل «طلباتهم» بشأن حصصهم في هذه التشكيلات، وإن كانت جزئية، لناحية ضمان تشكيل قاضٍ مقرب من جهة سياسية معينة إلى هذا المركز، أو إبقاء آخر في مكانه، ونقل ثالث إلى مركزٍ آخر كرمى لعيون جهة سياسية ما. وَعَد الوفد خيراً بعدما وطّن أعضاؤه النفس على إرضاء الجميع، لضمان إمرار مشروع التشكيلات. غير أن حساب الحقل في القضاء لم يوافق حساب البيدر عند أهل السياسة. فقد وصل مشروع التشكيلات الجزئية، الذي كان يُفترض أن يغيّر مراكز 190 قاضياً، إلى رئيس الحكومة تمام سلام منذ أسابيع، لكنه لم يخرج من عنده قطّ. وفيما تتحدث المصادر عن رمي مشروع التشكيلات في سلة المهملات، تكشف مصادر متابعة للملف أنّ المشروع جُمِّد لأكثر من سبب. السبب الأساسي الخفي يتعلق بصراع تيار المستقبل مع وزير العدل المستقيل أشرف ريفي. وتكشف المصادر أنّ التيار لا يُريد أن يُسجّل لريفي أي إنجاز، سواء في ما خصّ حصول تشكيلات، أو نقل قضاة محسوبين عليه إلى مراكز معينة. غير أن مصادر مطّلعة على «طبخة التشكيلات» قالت لـ «الأخبار» إنّ «القضاة الذين يُريدهم المستقبل شُكِّلوا إلى المراكز التي يُريدها». أما سبب التأخير، بحسب المصادر نفسها، فيعود إلى كون المشروع ينتظر توقيع كل الوزراء، بينما المجلس لا يجتمع.
اشترط ريفي تعيين مستشاره قاضي تحقيق لتعيين طنوس محامياً عاماً
مسألة أخرى جرى تداولها على أنها شكّلت إحدى العراقيل، تتعلق بـ «تمنٍّ» للرئيس سلام بشأن خمسة قضاة. غير أن مجلس القضاء الأعلى ضرب بهذا «التمنّي» عرض الحائط ولم يلحظه، باستثناء قاضٍ واحد يدعى محمد سلام، كان قد طلبه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والرئيس سلام معاً، جرى تشكيله وحده كـ «ترضية» للرجلين إلى مركز محامٍ عامّ في زحلة. هذا السبب، إضافة إلى العلاقة المتشنّجة بين ريفي والمستقبل، أوقفت التشكيلات، بحسب المصادر. علماً أن آخر تشكيلات كبيرة أجريت في أيلول عام 2010 عندما كان القاضي غالب غانم رئيساً لمجلس القضاء الأعلى. ومنذ ذلك الحين، لم يكن هناك سوى تشكيلات محدودة وانتدابات.
وبالعودة إلى مضمون التشكيلات التي كان أبرزها ملء فراغ من دون أن يطرأ جديد على مستوى النيابات العامة وقضاة التحقيق، فإنّ أكثر ما كان لافتاً فيها «إطاحة» الرئيس الأول في محكمة النبطية القاضي برنارد الشويري ووضعه بالتصرّف، رغم أنه سيحال على التقاعد بعد ثلاثة أشهر. إضافة إلى نقل القاضية غادة بو كروم من منصب النائب العام الاستئنافي إلى رئيس محكمة تمييز في الغرفة التجارية، أعلى منصب درزي. كذلك برزت إزاحة القاضي جمال عبدالله، الذي كان رئيس الهيئة الاتهامية في صيدا، ليُشكّل إلى مركز محامٍ عامّ مالي في مكتب النيابة العامة المالية، فيما عُيّن مكانه القاضي جمال الحجار الذي طلبت اسمه النائبة بهية الحريري. كذلك برز نقل القاضي آلاء الخطيب، صاحب القرار الاتهامي في قضية تفجير مسجدي السلام والتقوى، إلى منصب محامٍ عامّ في بعبدا، بدلاً من القاضي جناح عبيد الذي عُيِّن قاضي تحقيق في طرابلس. وثُبّت القاضي هاني حلمي الحجار في مركز معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لكونه كان يشغله بالانتداب، إضافة إلى كونه قاضي تحقيق أصيلاً في محكمة النبطية، ليُعين مكانه القاضي ماهر الزين، المقرب من النائبة بهية الحريري. أما القضاة المحسوبون على ريفي، فقد «رُقّي» القاضيان بسام المولوي وسهى الحسن اللذان يشغلان منصب رئيس بداية ليعين أحدهما رئيس محكمة جنايات والآخر رئيس محكمة استئناف جنح. وقد سجّلت حادثة أثناء «طبخ التشكيلات»، إذ إن مجلس القضاء الأعلى ارتأى تشكيل عضو أمانة سر مجلس القضاء الأعلى القاضي جان طنوس إلى منصب محامٍ عامّ في بيروت، إلا أن ريفي اعترض قائلاً: «إذا أردتم طنوس محامياً عامّاً، أريد محمد صعب قاضي تحقيق في بعبدا». وعندما سُحِب اسم القاضي طنوس، عدل الوزير عن مطلبه بشأن مستشاره.