5 ساعات قضتها الطفلة الفلسطينية إسراء مصطفى اسماعيل (5 سنوات) في طوارئ مستشفى الخير في المنية، بانتظار إيجاد جهاز تنفس اصطناعي شاغر في أحد مستشفيات منطقة الشمال لوضعها عليه. 5 ساعات لم تنتج الاتصالات «أملاً» بالحصول على هذا الجهاز، الذي كانت بأمسّ الحاجة إليه بعد تعرّضها لضربة قاسية على رأسها تسببت لها بنزفٍ حاد.
وزير الصحة العامّة: يوجد جهازا «CT scan» فقط في المستشفيات الحكومية
أوّل من أمس، ماتت إسراء. انطفأت بسبب عدم توفّر جهاز يضمن بقاء قلبها على قيد الحياة لوقت أطول ريثما تجد مكاناً يؤمن لها العلاجات المطلوبة. لكن، موتها لم يكن استثناء. فقد مر «موت» كثير على هذه الشاكلة، إذ فارق أطفال كثيرون الحياة لحاجتهم إلى أبسط من جهاز تنفس: إلى سرير فارغ، كما حصل في وقتٍ سابق مع الأطفال: مؤمن خالد المحمّد، عبد الرؤوف الحولي وإنعام ربيع... واللائحة التي ستأتي لا محالة في ظلّ أسبابٍ أقل ما يمكن وصفها بـ«التافهة».
إسراء التي فارقت الحياة قبل أن تكمل عامها الخامس، ماتت لسببين أساسيين هما في صلب مشكلة النظام القاتل. السبب الأول ــ الكفيل بقتلنا جميعاً ــ هو أنها ماتت لأنّها اضطرّت هي وجدّتها وداد مصطفى ــ التي فارقت الحياة هي الأخرى بفارق ساعة عن حفيدتها ــ إلى قطع أوتوستراد المنية، لأنه على طول تلك الطريق الدولية لا يوجد سوى جسر مشاةٍ واحد! أما السبب الثاني، فهو نقص التجهيزات الطبيّة في معظم المستشفيات اللبنانية و«ترنيمة» السرير الفارغ. هذا السرير الذي إن عنى شيئاً لا يعني أنه لا يفرغ أبداً، وإنما يعني النقص الفاضح في عدد الأسرّة التي تؤوي فقراء لا طاقة لهم على اللجوء إلى المستشفيات الخاصّة.
في السبب الأوّل، يروي أحد العاملين في الهلال الأحمر الفلسطيني كيف حصلت الحادثة، قائلاً إنّ الجدة والطفلة اضطرتا إلى عبور الأوتوستراد السريع بسبب عدم وجود خيار آخر للعبور إلى الضفة الأخرى. لكنهما، لم تعبرا. «اصطادتهما» سيارة مسرعة «فرّ صاحبها وبقيتا مطروحتين في الأرض حوالى ساعة بانتظار حضور سيارة إسعاف». بعد ذلك نقلت الطفلة إلى مستشفى الخير، والجدة إلى مستشفى آخر. في مستشفى الخير، يأتي الحديث عن السبب الآخر الذي «قتل» إسراء. فهناك «لم نجد جهاز تنفّس لوضع الطفلة عليه، أضف إلى أنّها كانت بحاجة إلى إجراء صورة شعاعية CT SCAN لرأسها بسبب تعرّضها لضربة قاسية، وهو ما لم يكن موجوداً». ويتابع «حاولنا التواصل مع مستشفيات كثيرة، ولكننا لم نجد جهاز تنفس شاغراً ولا سريراً للأطفال في أيٍ من المستشفيات في المنطقة. وبعد خمس ساعات، وجدنا مكاناً شاغراً في مستشفى الهيكلية في طرابلس، ولكن كانت حالة الطفلة قد ساءت، وما لبثت أن فارقت الحياة». كما «حاولنا التواصل مع وزارة الصحة للمساعدة في إيجاد مكان مناسب للطفلة، لأن الأونروا لا تغطي حوادث السير»!
يأسف العامل في الهلال الأحمر الفلسطيني لحال المستشفيات في منطقة الشمال التي «لا تصلح في معظمها للحالات الباردة، فكيف الحال بالنسبة إلى حالة كحالة إسراء، كما أن الأسرّة المخصصة للأطفال في الحالات الطارئة قليلة جداً، وخصوصاً من يحتاجون إلى إنعاش». هذا ما اكتشفه الشاب خلال متابعته لحالة إسراء.
أما من يعرف النظام الصحي، فيعرف أنّ هذا ليس اكتشافاً. وهنا، يتحدث وزير الصحة العامة، وائل أبوفاعور، عن مشكلة «العنايات الفائقة الخاصّة بالأطفال في المستشفيات الحكومية»، مشيراً إلى أنّ هناك «أزمة في هذا الموضوع الذي نوليه اليوم أهمية قصوى، وفي آخر مرّة زرت طرابلس افتتحنا خلالها 14 سريراً للعناية الفائقة في المستشفى الحكومي، ومنذ ثمانية أشهر دشنّا عشرين سريراً آخر في مستشفى الكرنتينا». لكن، تبقى هذه «دون المستوى المطلوب». ثمّة نقص فاضح يؤدي إلى مثل هذا الموت المجاني. ولعل ما هو فاضح أكثر، أن جهاز CT SCAN الذي كانت تحتاج إليه إسراء «غير موجود إلا في مستشفيين حكوميين في كل لبنان».