في آب (أغسطس) عام 2012، خرجت «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، بمقدمة أخبار سميّت وقتها بـ «جمهورية العار»، ودانت بلهجة عالية الفحوص العذرية والمثلية التي أجريت لـ 36 شاباً اقتيدوا من سينما «بلازا» في برج حمود. مقدمة خطّها رئيس تحرير النشرات الإخبارية سابقاً، خالد صاغية أسست لخطاب مدني ما لبث أن انسحب على المحطة كلها، وعلى بعض وسائل الإعلام اللبنانية. منذ ذاك التاريخ، أرست lbci في نشراتها الإخبارية، هذا النفس المدني الملازم لحقوق الناس على اختلاف شرائحهم والناقل لأصواتهم، لا سيما المهمشين منهم، حتى بعد خروج صاغية من المحطة في أيار (مايو) الماضي. تصدّرت القضايا المدنية والإنسانية هذه النشرات، وكانت القناة رأس حربة في الكثير من هذه القضايا، خصوصاً الزواج المدني، والعنف الأسري، ومنح المرأة الحق في إعطاء جنسيتها لأولادها. تغطيات اتسمت بالعمق والخطاب المباشر، بخلاف ما كان سائداً قبلاً في وسائل الإعلام اللبنانية لا سيما المرئية منها، من تقديم السياسة وأهلها وإهمال قضايا المواطن وحقوقه.أربع سنوات مرت على هذه «الانتفاضة» كما يحب أن يصفها بعض أهل الإعلام، وسير lbci بشعار «الدنيا ألوان» عام 2013، حين أدخلت نشراتها الإخبارية في حلّة جديدة، وأوحت بأنها خرجت من ثوبها القديم الفئوي وأضحت شاشة لكل الألوان والأطياف، وكانت رأس حربة إعلامية قادت الحراك المدني صيف العام الماضي، وفتحت هواءها للناشطين ولحقوقهم المكتسبة. بعد كل هذه المشهدية «الناصعة»، تبرز إشكالية كبيرة بعد رصد النشرات الإخبارية في القناة والى جانبها مجموعة من برامجها الصباحية والمسائية. المراقب سيجد نفسه أمام ازدواجية تمارسها lbci، بين خطاب مدني حقوقي في نشرة الأخبار، وآخر عنصري فئوي، يكرر خطاب الحرب والتقسيم، ويمارس فعل التحريض ويبث الكراهية. فهل بات الخطاب المدني محصوراً فقط في النشرة الإخبارية؟
نشرة أخبار تناصر اللاجئين... وبرامج تعلنها حرباً عليهم

الإجابة عن هذا السؤال، تقودنا حتماً الى القول بأن المحطة اليوم تغرق في انفصام خطها التحريري، وسط الأزمات التي تعصف بالمنطقة، والقضايا الداخلية التي تقضّ مضجع اللبنانيين، حتى بتنا نعتقد أن ما نشاهده ونلاحظه يبث على شاشتين متناقضتين لا شاشة واحدة. لعل الأمر يعود بجزء منه الى المراسلين أنفسهم الذين ما زال بعضهم يعيش في زمن الحرب، ويخال نفسه في عصر المتاريس الإعلامية الحربية، بخاصة الجيل المواكب لتأسيس المحطة، فيما جيل آخر دخل المؤسسة، اضطر ربما لتبنّي (ظاهرياً) النفس المدني على الشاشة، فيما يمارس النقيض تماماً على منصاته الافتراضية. نذكر هنا، تدوينة يزبك وهبة تعليقاً على صورة شبان عراة الصدور خلال تظاهرة الحراك المدني في الصيف الماضي، فغردّ قائلاً: «عينة من الشباب المثقف الذي اندس في تظاهرة الأمس لحرفها عن توجهاتها». حدث ذلك في أوجّ الجدل حول شبان آتين من منطقة «خندق الغميق»، وانضمامهم الى الحراك المدني، واتهامهم بإثارة الشغب، انطلاقاً فقط من مظهرهم. بدأ الحديث العنصري وقتها عن المثقف وغير المثقف في هذه التظاهرات الشعبية. في تلك الفترة أيضاً، أثارت مراسلة lbci نيكول حجل مشهد افتراش بعض الناشطين/ ات رصيف الـ «زيتونة باي» بأطعمتهم وأغراضهم، احتجاجاً على الاستحواذ على الأملاك العامة التي هي ملك الشعب. يومها، اعتبرت في تغريدة لها أنّ هذا المشهد «مؤسف جداً، أساء الى التحركات التي يقوم بها شباب المجتمع المدني والمطالب المحقة التي يرفعونها». ولا ننسى طبعاً، امتناع بسام أبو زيد عن تغطية الحراك بخلاف سياسة lbci المناصرة له.
هذه الخلفيات المهنية والسياسية وحتى الثقافية التي دمغت عمل المراسلين في المحطة، يضاف اليها سجل حافل من المضامين الفاقعة، خصوصاً في ما يتعلّق بملف النزوح السوري والحديث المتكرر عن «حقوق المسيحيين» في هذا الخصوص. عناصر أكدت مرة جديدة ازدواجية الخطاب التي تعيشه lbci. قد نفهم قناة otv الحزبية، التي تتبنى خطاباً مشابهاً، أو mtv التي تمارس خطاباً حربياً في بث الذعر في نفوس «المسيحيين»، ودق ناقوس الخطر لتحذيرهم من غيلان النازحين وأيضاً رفاقهم في الوطن من الطائفة الإسلامية. لكن بات واضحاً عند lbci قيادة مركبها من جهتين متقابلتين. تحشد المحطة الوجوه المعروفة بخلفياتها التحريضية والمعروف مسبقاً مسار حديثها وفحواها، ويصار الى ترسيخ مضامين ما يقال، مع تغييب شبه تام لأي مساحة نقدية مهنية حوارية.
ضمن برنامج «نهاركم سعيد» صباح الخميس الماضي مثلاً، أعادت المحطة ترسيخ خطاب «حقوق المسيحيين»، وقضية بيع أراضيهم. حضر رئيس «حركة الأرض» طلال دويهي، ليتحدث عن إحصائياته الأخيرة بخصوص بيع المسيحيين لأراضيهم، أو «التعدي عليها». اللافت تغييب لأي حديث يتناول شراء العقارات من جنسيات مختلفة والتركيز على السوريين وعدد العقارات التي يشترونها، وعلى الفلسطيني الذي يتملك تمهيداً «ليتوطنّ» كما قال الدويهي. الأخير نصّب نفسه متحدثاً حصرياً باسم «المواطن المسيحي» على حد تعبيره. في هذه الأثناء، كان محاوره بسام أبو زيد يحذر في استهلاليته من «فقدان المسيحيين حقوقهم، واليوم أراضيهم». في مساء اليوم ذاته، خصص «كلام الناس» جزءاً من حلقته الأسبوعية للحديث عن أعباء النزوح السوري. استضاف مارسيل غانم على طاولته كل من رئيس «الرابطة المارونية» أنطوان إقليموس، ورئيس جمعية «تجار بيروت» نقولا شماس. ثلاثي أدار الحديث باتجاه واحد: حكى شماس عن «سورنة سوق العمل»، فيما ضاقت عين إقليموس بربطة الخبز «المدعومة من الدولة» التي يتقاسمها السوري مع اللبناني. هذا الـ «توك شو»، دعِّم بمجموعة تقارير وأرقام (ربيع الهبر) مع فتح سؤال جدّي: «هل سيتحول اللبناني الى نازح في بلده؟».
يوم الخميس الماضي لم يكن استثنائياً، بل يقع ضمن سياق ألفته المحطة في هذه البرامج. نذكر حلقة العام الماضي من «نهاركم سعيد» المخزية التي تناولت النزوح السوري بكثير من التعاطي غير الإنساني (الأخبار 17/1/2015)، ومطلع السنة الحالية، مع تكريس لخطاب طائفي مع الأب طوني خضرا (لابورا)، وحديث عن «الغبن» الذي يلحق بالمسيحيين في وظائفهم. لعل المحطة تحتاج اليوم إلى إعادة صياغة خطابها، واختيار أحد التوجّهين، لتكون على الأقلّ شفافة مع نفسها ومشاهديها.