مثلت قضية جزيرتي تيران وصنافير مفصلاً مهماً على أكثر من صعيد، بدءاً من البعد القومي للقضية وارتباطاتها الاستراتيجية بالإقليم برمّته، وصولاً إلى كونها أصبحت نموذجاً عن تكامل النضال السياسي والقضائي وإمكانية «الفوز» في الصراع مع السلطة من خلال الجهد القانوني الذي لا ينفصل بدوره عن الشق البحثي والتاريخي. من مسرح «مترو المدينة» في بيروت، أطلّ المحامي والناشط الحقوقي المصري خالد علي، مستعرضاً فصول القضية التي أثبتت، بموجب حكم قضائي، مصرية الجزيرتين وبطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة في نيسان/إبريل الماضي بين مصر والسعودية.
مئات الوثائق تقدّم بها علي ورفاقه لإبطال الاتفاقية، وذلك عبر حملة شعبية، حفزت الحريصين على إثبات أن الجزيرتين أراضٍ مصرية، وهم كثر، لتقديم كل ما تطاله أيديهم من دراسات وخرائط ووثائق وحتى كتب مدرسية تثبت بطلان خطوة الحكومة المصرية.
وانقسمت الوثائق بين تلك المتعلقة بتطور الملكية التاريخية للجزيرتين، وبين أخرى تظهر ممارسة مصر للسيادة الممتدة على الجزيرتين حتى يومنا الحالي. الوثيقة الأولى تعود إلى عام 1811، مع احتلال إبراهيم باشا لشاطئ البحر الأحمر أو ما يسمى «الحجاز المصري» الذي بدأ يؤمن طريق الحجيج المصري من العقبة إلى الحجاز. وبعد عام 1840، وتوقيع اتفاقية لندن، ظلّ محمد علي مسيطراً على هذا الطريق، بما فيه الجزيرتان. أما عام 1892، فقد بدأت الدولة العثمانية تضع يدها على «القلاع» المصرية، أي كل النقاط التي تسيطر عليها دولة محمد علي في تلك المنطقة. من الوثائق التاريخية البارزة، يحكي علي عن كتاب للرحالة جورج أوغست فالين الذي يروي رحلتين في سيناء وشبه الجزيرة العربية، ويتضمن إشارة إلى مصرية جزيرة تيران.
أما الكتاب الثاني فيعود إلى نعوم بك شقير، وهو اللبناني الذي كان يرأس قلم التاريخ في الجيش والاستخبارات المصريين، ومثّل شقير مصر في المفاوضات مع الدولة العثمانية لتقسيم سيناء، والتي أفضت في عام 1914 إلى خريطة أعطت المناطق الممتدة من العقبة إلى السويس لتركيا، وبالتالي فإن كل المناطق التي لم تذكرها مصر في الاتفاقية لا تزال تحت سيطرة مصر، بما فيها الجزيرتان اللتان تعتبران جزءاً من «خط الحجيج».
ثم انتقل علي إلى الحديث عن وثيقة «أطلس ابتدائي للدنيا» الصادر عن وزارة المعارف العمومية عام 1922، ثم «أطلس جامعة كامبريدج» عام 1940، ثم مستند بالانكليزية صادر عن وزارة المالية المصرية عام 1945 تضمن خريطة عائدة إلى عام 1937، وكلها تثبت ملكية الجزيرتين لمصر. كذلك، عرض علي «الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية» الصادر عن «دارة الملك عبد العزيز» عام 2000، والذي كان يرأس مجلس إدارته آنذاك سلمان بن عبد العزيز. الوثيقة السعودية التي تعرض تطور نشأة المملكة في أكثر من مئتي خريطة للبحر الأحمر، لم يذكر أيّ منها أن تيران وصنافير سعوديتان، فجزر فرسان هي الجزر السعودية الوحيدة المذكورة فيها.
إلا أن «المفاجأة» الكبرى التي يرى علي أنها خلقت «توازناً نفسياً» لدى أعضاء المحكمة والشارع المصري عموماً في هذه القضية، كانت أطلس وزارة الدفاع المصرية، ويؤكد أن جزيرة تيران تابعة لجنوب سيناء. ويعرّج علي على ما يسميه «الكذبة» التي روّجت لها الحكومة في تكرار أن من طلب رفع العلم المصري على الجزيرتين هو الملك عبد العزيز آل سعود، وأكد المحامي المصري أن من طالب برفع العلم المصري كان رئيس مجلس الدولة عام 1950، وحيد رأفت، الذي أرسل فتوى سمّاها «فتوى رقم 20» لوزير الداخلية المصري طلب فيها رفع العلم المصري على الجزيرتين رداً على طلب لعضو في الكنيست الاسرائيلي رفع العلم الاسرائيلي على الجزيرتين في البحر الاحمر لفرض السيطرة الميدانية عليهما. وقد رفع العلم المصري على الجزيرتين بتاريخ 21 و28 كانون الثاني/يناير 1950 على أيدي القوات المصرية.
بناءً على هذه المعطيات وغيرها، صدر الحكم بإبطال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لكونها «تنطوي على مخالفة لمواد الدستور»، قبل إدخال الحكومة القضية في متاهة قانونية بعد تقديمها الطعن في المحكمة الدستورية، ثم تقديم علي ورفاقه طلب «رد الدائرة» التي ستنظر في الطعن ونجاحهم في ذلك لأول مرة في تاريخ القضاء المصري.
اليوم، يؤكد علي أنه مستمر رغم المتاهة القانونية التي تحاول الحكومة إدخالهم فيها، لا سيما أن عدداً من الناشطين لا يزالون معتقلين بتهمة «ترويج إشاعات بأن الحكومة تنازلت عن تيران وصنافير»، ومنهم هيثم محمدين وزيزو عبده.
يقول المحامي المصري إن هذه القضية أعطت ملمحاً جديداً للحياة السياسية في مصر، وهي ساهمت في تراجع شعبية الرئيس بشكلٍ كبير، لأن المسألة هذه المرة تتعلق بأرضٍ مصرية، وهو ما لا يقبله المصري مهما كانت توجهاته السياسية، مؤكداً أن هذه القضية جعلت الميزان يعدّل كفتيه في الشارع المصري وإن ببطء. ولعلّ أكثر ما ساهم في هذا التعديل هو اطلاع الناس على وثائق الجيش التي أثبتت مصرية الجزيرتين، وهو ما دفع بمن «كان يعبس في وجه علي ورفاقه في الشارع سابقاً إلى تقديم الشربات بعد إصدار الحكم بمصرية الجزيرتين».

(الأخبار)