فرضت دمشق وحلفاؤها معادلة واضحة في معارك الشمال السوري أمس، عقب إحكام الطوق مجدداً على المجموعات المسلحة المنتشرة داخل الأحياء الشرقية لمدينة حلب. وبدا واضحاً أنّ المعادلة الميدانية، التي تكرست عقب اشتباكات عنيفة كانت تزداد حدتها في الساعات الماضية، قد عكست قراراً سياسياً من العاصمة السورية وحلفائها يشدد على ضرورة إحكام الطوق لأهميته في أي مفاوضات، ولعدم السقوط في أشراك الإدارة الأميركية.وجدير بالذكر أنه قبل أقل من أربع وعشرين ساعة من إحكام طوق حلب، كان مبعوث واشنطن إلى سوريا، مايكل راتني، يراسل، وفق «رويترز»، أطرافاً معارضة مسلحة، لينقل إليها ما مفاده أنّ الاتفاق مع موسكو حول حلب يقترب، وأنّه يشمل خصوصاً انسحاب الجيش السوري من طريق الكاستيلو التي كان مسلحو الأحياء الشرقية يستعملونها كطريق إمداد قبل إغلاقها.
واللافت أنه بخلاف «هدنة» شهر شباط الماضي بخصوص حلب التي عرقلت العمل الميداني الضخم الذي كان يجري إتمامه من قبل القوات السورية، يبدو هذه المرة أنّ الميدان هو الذي عرقل المفاوضات السياسية.
وفي التفاصيل الميدانية لما سُجّل أمس، أنه بعد هجمات عدّة، ومواجهات أخذت طابع الكر والفر بين الطرفين على مدى الأيام الماضية، وبعد إعداد استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، سيطر الجيش على كامل مجمع الكليات العسكرية، جنوبي المدينة، إثر اشتباكات عنيفة، لتُسدّ بذلك الثغرة التي خرقها مسلحو «جيش الفتح»، الشهر الماضي، وليعود مسلحو أحياء حلب الشرقية إلى الحصار. وشهد محورا «الكليات» وتلة العمارة تلك المواجهات وسط غارات لسلاح الجو، وقصف مدفعي وصاروخي استهدف تجمعات المسلحين في المنطقة، أدى إلى وقوع عددٍ من القتلى والجرحى في صفوفهم. وتزامن تقدّم الجيش في محاور «الكليات» مع تسجيل اتهامات متبادلة بالخيانة، وخلافات بين الفصائل المسلحة جنوبي حلب، سيّما بين الفصائل التابعة لـ«الفتح»، والأخرى التابعة لـ«جيش المجاهدين»، و«الجيش الحر»، بسبب فرار بعض الفصائل التابعة للأخير من ميدان المعركة، وتركهم لمسلحي «الفتح».
أرسلت تركيا أمس تعزيزات للمسلحين لمحاولة عرقلة هجوم الجيش السوري

وبدأ تقدّم الجيش في منطقة «الكليات» بالسيطرة على كلية التسليح، إذ اتخذت القوات من تلة أم القرع، جنوبي «التسليح»، محور تقدّم لها، واشتبكت هناك مع المجموعات المسلحة. وتابعت القوات تقدّمها باتجاه كلية المدفعية، بالتوازي مع تقدّم آخر موازٍ، قامت به وحدات أخرى للجيش والحلفاء، من محور مشروع «3000 شقة» باتجاه الكلية الجويّة. وأطبقت القوى المتقدّمة من الجهتين على من تبقى من مجامع المسلحين الذين انسحبوا باتجاه أحياء حلب الشرقية ومدرسة الحكمة وقرية المشرفة. وأقرّت تنسيقيات المسلحين بسيطرة الجيش وحلفائه على «الكليات»، وقطعهم لطريق الراموسة المؤدي إلى الثغرة باتجاه الأحياء الشرقية لعاصمة الشمال، وسط اتهامات متبادلة بينهم لعدم قدرتهم على الحفاظ على الثغرة من جهة الراموسة، والتي أقفلت بشكل كامل بحسب إقرارهم.
وبالسيطرة على «الكليات» قُطعت جميع طرق تحرك وإمداد المجموعات المسلحة من الريف الجنوبي باتجاه الأحياء الشرقية في حلب، وعزل المسلحون في الراموسة عن الأحياء الشرقية لحلب.
وسبق حصار المسلحين انفصال «ألوية صقور الشام» عن «حركة أحرار الشام» بعد أكثر من عام على اندماجهما ضِمن تشكيل «الجبهة الإسلامية»، وتحديداً في آذار من 2015، إذ عادت أغلبية الألوية العسكرية التابعة لـ«الصقور» إلى «العمل العسكري» تحت مسمّاها القديم، بقيادة أحمد عيسى زكريا الشيخ، المعروف بـ«أبو عيسى الشيخ»، وذلك في خطوة متقدّمة تنعى مشروع القاضي العام لـ«الفتح»، السعودي عبدالله المحيسني، بدمج الفصائل الشمالية في كيانٍ واحد. وأكّدت مواقع معارضة أن «الانفصال تمّ يوم السبت الماضي»، مشيرة إلى أن «البيان الرسمي لم يصدر بعد عن أيٍّ من الجانبين». بدوره، لمح أبو عيسى الشيخ إلى عملية الانفصال، فهاجم في الأيام الماضية بعض دعوات «التوحيد» في الشمال السوري، واصفاً إياها بـ«الزائفة».

الفريج في حماة

أما في حماة، وفيما كانت «غزوة مروان حديد» تشهد تراجعاً في اليومين الماضيين بفعل العمليات المعاكسة التي كانت تنفذها وحدات الجيش السوري، تفقد أمس وزير الدفاع السوري، فهد جاسم الفريج، «القوات المسلحة العاملة على اتجاه ريف حماة الشمالي، حيث اطلع على واقع العمليات العسكرية».
وأحبط الجيش السوري، أمس، هجوماً للمسلحين على محوري صوران ــ كوكب، وعطشان ــ معان، حيث أدّت المواجهات إلى مقتل وجرح عدد من المهاجمين، وتدمير عددٍ من الآليات، وسط غطاء وفّره سلاح الجو السوري استهدف نقاط المسلحين هناك.
وفي سياقٍ منفصل، شهدت، مدينة أريحا، جنوبي إدلب، مواجهاتٍ عنيفة بين مسلحي «أحرار الشام» و«جند الأقصى»، عقب مقتل أمير الأخير في المدينة، أبو إبراهيم، وأخيه رعد عيد، إضافةً إلى قيادي آخر من بيت مرعياني، على أيدي مسلحي الأوّل، الذين حاصروا «جميع مقرات الجند في أريحا»، بحسب «تنسيقيات» المسلحين. يُذكر أن "جند الأقصى" هو التنظيم الرئيسي الذي يخوض معارك ريف حماة الشمالي ضد الجيش السوري منذ أسبوع. وقبل عام كان قد انفصل عن "جيش الفتح" الذي تقوده "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" في محافظتي حلب وإدلب. ويُتّهم "جند الأقصى" بكونه التنظيم الأقرب إلى "داعش" في المحافظات الشمالية والغربية والوسطى.