في منتصف الأسبوع الماضي أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري في المؤتمر الصحافي الذي عقده في جدة مع نظيره السعودي، مبادرة جديدة لوقف الحرب على اليمن. «الخطة» قُدمت كإطار عام، وكان من المفترض أن تعلن السفارة الاميركية في الرياض تفاصيل المبادرة في وقت لاحق، ولكن المفاجأة أنّ السفارة السعودية في واشنطن هي التي أعلنت تفاصيل الخطة.
الاعلان السعودي عن المبادرة المؤلفة من خمسة بنود هو تكرار للمفاوضات السابقة التي استمرت أشهرا طويلة، غير أنّ الجديد فيها هو الموافقة على تأليف حكومة وحدة وطنية تشمل جميع المكونات اليمنية. يعدّ بند تأليف الحكومة الوطنية تراجعا مهما وضروريا بعد تعنّت وفد الرياض في رفضه طوال مدة المفاوضات، وهذا يكشف زيف ادعاءات ما تسمى شرعية هادي بالاستقلال وحرية اتخاذ القرار، حيث سارع الناطقون باسم هذه «الشرعية» إلى الموافقة المبدئية على هذه المبادرة وقبولها، وهذا شيء متوقع ومعروف، حيث القرار أولاً وأخيراً بيد واشنطن وإلا فما معنى اصرار هذا الوفد على رفض تأليف الحكومة في المفاوضات السابقة، والموافقة عليها ضمن الخطة الأميركية الحالية.
تأليف الحكومة الوطنية هو البند الوحيد الواضح

تأليف الحكومة الوطنية في المبادرة الأميركية هو البند الوحيد الواضح الذي يمكن قبوله والموافقة عليه، ولكن هذا البند ليس إلّا استدراجا لوفد صنعاء لجولات جديدة من المفاوضات بعد وصول المفاوضات الأخيرة لحائط مسدود.
وتأتي المبادرة بعد فشل جولة التصعيد العسكري وانهيار الخطوط الدفاعية السعودية على الحدود وتوغّل الجيش اليمني إلى مناطق باتت تمثّل خطراً وشيكاً على بعض مدن الجنوب السعودي، برغم أنّ رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء السيد صالح الصماد أعلن أن هدف التوغلات اليمنية ليس لقضم الأراضي السعودية إنما لمنع العدوان السعودي على الشعب اليمني.
الخطة الأميركية وتصريح الصماد يؤشران إلى أنّ طرفي النزاع يؤكدان العودة إلى السقوف التي كانت قبل جولة التصعيد الأخيرة في محاولة لفتح الطريق إلى المسار السياسي من جديد، حيث ستبحث الأطراف بجولات مكوكية برعاية أممية عن صيغ للحل بما ينسجم مع شروطها.
ووفق موازين القوى وقرار القيادة اليمنية بابقاء سقف العمليات العسكرية في داخل الأراضي السعودية بما ينسجم ورفع العدوان عن الشعب ووقف الغارات الجوية عن المدن اليمنية، فإن بقية بنود المبادرة الاميركية تختزن بذور فشلها، وأعادت صياغتها بما يتوافق والشروط السعودية بالمطلق، الأمر الذي يفقدها الدفع السياسي من قبل صنعاء، وإن كان مطلب استمرار المفاوضات لدى اليمن بالتزامن مع الصمود الميداني قرارا استراتيجيا مهما كانت الظروف في الوقت الراهن.
المراقبون والمطلعون توقفوا ملياً عند بند الطرف «الثالث» المحايد، الذي أعطته الخطة حق استلام السلاح الثقيل، وجرت تسمية الصواريخ البالستية التي هي بحوزة الجيش اليمني وبقية الاسلحة المتطورة، ومن هي الجهة اليمنية التي تمتلك القدرة على تنفيذ مثل هذا القرار. بمعنى آخر وفق الخطة الأميركية على الجيش اليمني أن يسلّم مصادر قوته واقتداره التي ابقته صامداً طوال مدة هذه الحرب إلى قوة لا تزال مجهولة.
كما لفت المراقبون في تصريح كيري ادعاء التهديد الإيراني، وبأنها ترسل الصواريخ وغيرها من الاسلحة المتطورة الى اليمن، وأن هذا التهديد يمتد الى ابعد من اليمن بكثير، وهو ليس فقط تهديداً للمملكة السعودية والمنطقة فقط، بل هو تهديد للولايات المتحدة... ولا يمكن أن يستمر. وأرجع هؤلاء تصريح كيري الى أنه طمأنة أميركية مباشرة للجانب السعودي، وأن واشنطن لم تنفض يدها من الحرب أو أنها تركت الرياض وحيدة في المعترك السياسي والميداني اليمني. إشارة كيري بهذا الصدد جاءت بعد سحب واشنطن عددا من المستشارين العسكريين الذين كانوا يخدمون في غرف العمليات العسكرية السعودية، كما يأتي كلام كيري بعد تنامي الشعور الخليجي من الخشية من أن واشنطن ملّت الاستمرار في الحرب من دون افق سياسي، ومن دون تحقيق الاهداف، وهو تأكيد صريح من أن الادارة الأميركية سوف تستمر في دعم حلفائها الخليجيين بالحرب على اليمن.