لا تكاد موجات التفاؤل بقرب انتهاء الشغور الرئاسي تضرب بقوة، حتى يأتي تطور إقليمي، ليؤكد أن كل ما يروج له لا أساس له من الصحة، وأن الكلام عن انفراج رئاسي قريب لا يزال من باب التمنيات ليس إلا. وتبعاً لذلك، لا يمكن حدثاً سياسياً محلياً عابراً أن يؤسس لتطور مهم ودقيق بمثل قرار الإفراج عن انتخاب رئيس الجمهورية بعد عامين وأربعة أشهر من خلوّ المنصب.لا يمكن أوساطاً سياسية أن تعزل التطورات الإقليمية من العراق إلى سوريا عمّا يجري في لبنان، وتالياً يبدو مستحيلاً أن يسود الاعتقاد أن الانتخابات الرئاسية باتت قاب قوسين، فيما مصير النظام اللبناني هو الذي بات على المحك، ارتباطاً بما يجري من حولنا. فالنظرة السياسية المتابعة لما يحصل في المنطقة، تدل على أن كل الأنظمة في طور التغيير والتبدل، كما في العراق وسوريا. وحيث لا تغيير مباشراً، ثمة تبدلات في المشهد السياسي كما يحصل في تركيا. فكيف يمكن الكلام وفق ذلك عن بقاء النظام اللبناني على حاله والسير بالانتخابات الرئاسية، (وبعدها النيابية) وكأن شيئاً لم يكن؟ فيما واقع المشهد الإقليمي يعاكس ذلك، ولا سيما في النظرة إلى طبيعة الأنظمة التي تتبدل تباعاً، إلى الحد الذي لم يعد النظام اللبناني ملائماً لمتغيرات محيطه، على عكس ما كان عليه حاله ما قبل حرب 1975 ومنذ الطائف حتى اليوم.
تصفية داعش في العراق ستدفع مسلحي التنظيم إلى سوريا وتلقائياً لبنان

واقع تبدل الأنظمة، تكرس مع تغير المشهد الإقليمي، مع دستور دولة العراق الاتحادية الجديد، وبدء عملية تنظيم الدولة العراقية مع كل الصعوبات والحروب الجزئية والعامة وانفلاش تنظيم "داعش" والتدخلات الإقليمية والدولية فيها. وفي الوقت نفسه، لم تعد سوريا هي الدولة التي يعرفها لبنان أو العالم، بعدما تحول كل طرف دولي وإقليمي راعياً لحصة ما على الأرض السورية، وصارت كل دولة كأميركا وروسيا وإيران والسعودية وتركيا ودول أوروبا والتحالف العربي والدولي، تملك جزءاً من حيثيات قرار سوريا والجغرافيا فيها. ورغم بقاء النظام السوري كصورة رسمية، إلا أن طبيعة المتغيرات والحروب المختلفة، وما يكتب لسوريا في المفاوضات السياسية الدولية والإقليمية، يشير إلى أن ما تقبل عليه سيكون مختلفاً عمّا كانت عليه حالها منذ زمن الانقلابات السورية وما بعد النظام الذي أرساه الرئيس الراحل حافظ الأسد. وهذا يعني مزيداً من الانتظار لبلورة مصير المفاوضات والمعارك الحاسمة في مناطق استراتيجية، وآفاق الدورين الروسي والتركي في رسم مصير النظام. من دون أن ننسى أن واشنطن خصوصاً تغيب عن المنطقة وكثير من الملفات الشائكة من أوكرانيا إلى العراق وسوريا وتركيا والأزمات الأوروبية وتهديدات التنظيمات الأصولية. فقمة دول العشرين التي تنعقد في الصين بعد أيام ستكون مناسبة لآخر المبادرات الأميركية في شأن الأزمات المعلقة، ولا شيء يوحي أن لبنان سيُدرَج على جدول أعمال أحد من قادة هذه الدول، إلا بمقدار ارتباطه بوضع سوريا. ووفق ذلك، سيدخل إلى غرفة الانتظار الدولية، بعدما بدا أن المسارين اللبناني والسوري، باتا متلازمين حالياً أكثر من أي وقت مضى.
وإذا كان النظامان العراقي والسوري يشهدان كل هذه المتغيرات، فإن لبنان لا يمكن أن يشذ عن هذا المشهد الجديد للشرق الأوسط، ولو من دون حرب مفتوحة كالتي يشهدها البلدان حالياً. لكن هذا لا يعني أن الاستقرار الأمني في لبنان معزول عن كافة التطورات السياسية والأمنية التي تجاوره. فالعراق الذي توصل سابقاً إلى إطار سياسي، مقبل على تصفية تنظيم "داعش" وإخراجه من الموصل، ودفعه خارج حدوده. وانفلات "داعش" والمسلحين من العراق ستكون وجهته بطبيعة الحال إلى سوريا، وتلقائياً لبنان. والساحة اللبنانية التي تشهد منذ زمن تبعات تطور خطاب "داعش" وتغير وجهة استهدافاتها، لا يمكن أن تبقى بمنأى عن وصول هذه الأخطار إليها. وكل من يعرف تدرج الأوضاع في عدد من مناطق البقاع تحديداً يدرك أن مسارات الأمن لا تزال مفتوحة على احتمالات خطرة، فيما تغرق الطبقة السياسية مجدداً في نقاشات عقيمة حول الحكومة والرئاسة، وسط استمرار اللعب على وتر اقتراب الفرج الرئاسي، واختراع أفكار وسلة طروحات سبق أن استُهلِكت لكثرة استخدامها في أوقات الأزمات، ولا سيما مع القوى المسيحية. وإلا فما معنى أن تعود مجدداً نغمة الاستعانة بمجلس الشيوخ كلما تأزم الوضع الداخلي، كما حصل عام 2013 مع اقتراح الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، وكما يجري اليوم مع الرئيس نبيه بري ونقاش طاولة الحوار. فيما مصير النظام كله على المحك، لأن مروحة الأفكار المطروحة له واسعة، من إنقاذه برمته إلى تغييره بالكامل. وبالحد الأدنى ترقيعه، تطويلاً لأزمته حين لا يصبح الحل الكامل والنهائي متاحاً بسهولة.