12 شخصاً يملك كل منهم ثروة تفوق 500 مليون دولار
لا توجد إحصاءات موثوقة عن «الثروات الشخصية» في لبنان، كذلك تندر الدراسات التي تتناول الثراء والأثرياء. إلا أن التقديرات المتاحة تشير كلّها إلى ازدياد شديد في تركّز الثروة بأيدي قلّة قليلة من الأُسَر المعروفة. ازدياد مخاطر تركّز الثروة بأيدي قلة قليلة من «الأوليغارشية»، ليس حديثاً محلياً، بل هو حديث يدور في كل مكان، في معرض تناول أزمة الرأسمالية والدرك التي وصلت إليه. هناك دعوات متزايدة لفرض الضرائب المرتفعة على الثروة للحدّ من تركّزها وإعادة توزيعها عبر الدولة. تأتي هذه الدعوات في سياق البحث عن سبل «إنقاذ» الرأسمالية من نفسها، بعدما بيّنت الدراسات، ولا سيما كتاب توماس بيكيتي «الرأسمال في القرن الحادي والعشرين»، أن البشرية تعود إلى مستوى القرن التاسع عشر في عدم المساواة.
محلياً، يعكس تركّز الثروة هذا المنحى الخطير، فبعثة ايرفد في ستينيات القرن الماضي حذرت من مخاطر التفاوتات في توزّع الدخل بين الطبقات الاجتماعية، عندما كانت حصة الـ50% الأقل دخلاً تقل عن 18% من الدخل الوطني، بينما حصة 4% الأكثر دخلاً كانت تبلغ 32% من الدخل الوطني. إلا أن هذا التحذير، الذي أعقبته حرب أهلية امتدت على 15 سنة، وذهب ضحيتها مئات الآلاف بين قتيل وجريح ومفقود ومهجَّر ومهاجر، لم يمنع السلطة بعد اتفاق الطائف في الإمعان بتركيز الثروة. فبحسب إدارة الإحصاء المركزي في عام 1997، كانت حصة الـ14% الأعلى دخلاً تتجاوز 42% من الدخل الوطني. اليوم بات يوجد في لبنان 12 شخصاً فقط يستحوذون وحدهم على أكثر من 15% من الثروة.
يقدّر تقرير «credit suisse» حول «الثروة في العالم» مجموع ثروة سكّان لبنان عام 2015 بنحو 91 مليار دولار، أي تقريباً ضعف ما كانت عليه في مطلع القرن الحالي. ويقدر عدد الأشخاص الراشدين في لبنان بنحو 3 ملايين و24 ألف راشد. يبين التقرير أن 8 آلاف و900 راشد من هؤلاء يمتلك كل منهم ثروة تفوق قيمتها مليون دولار، أي إن «المليونيرية» يشكلون 0.3%، ويستحوذون على 48% من مجموع الثروة.
بحسب تقديرات التقرير نفسه، إن 66.7% من اللبنانيين الراشدين ليس لديهم ثروة، إذ يمتلك كل منهم أقل من 10 آلاف دولار، في حين أن 30.2% يمتلك كل منهم ما بين 10 آلاف و100 ألف دولار، أي إن 96.9% من اللبنانيين الراشدين ليس لديهم ثروة بالمعنى الحقيقي، ما عدا قلّة من المدخرات التي يجمعونها لتغطية تقاعدهم، في ظل عدم وجود ما يسميه اللبنانيين «ضمان الشيخوخة» لنحو ثلاثة أرباع القوى العاملة، أو يجمعونها لمواجهة مخاطر المرض والبطالة، إذ إن نصف اللبنانيين لا تشملهم أنظمة الضمان الصحي، ولا يوجد أي نظام للحماية من البطالة.
يبقى نحو 3.1% من اللبنانيين الراشدين، هؤلاء يمتلك كل منهم ثروة تفوق 100 ألف دولار، علماً أن 2.8% يمتلك كل منهم ثروة تراوح بين 100 ألف ومليون دولار، ليستحوذ 0.3% على ثروة تزيد على مليون دولار لكل منهم، ويسيطرون على أقل بقليل من نصف الثروة في لبنان.
يشير التقرير إلى ارتفاعٍ في متوسطي الثروة المالية وغير المالية لكل بالغ لبناني بين عامي 2014 و2015. ارتفعت الثروة المالية من 21.9 ألف دولار إلى 22.4 ألف دولار. وارتفعت الثروة غير المالية من 19.4 ألف دولار إلى 20.4 ألف دولار. إلا أن نسبة الراشدين الذين يملكون بين المئة ألف والمليون تراجعت من 3% إلى 2.7%. ونسبة الذين يملكون بين العشرة آلاف والمئة ألف تراجعت من 32.4% إلى 30.2%. وارتفعت نسبة اللبنانيين الذين لا تتخطى ثرواتهم عشرة آلاف دولار من 64.3% إلى 66%. كذلك بقي مالكو الثروات التي تزيد على المليون دولار على حالها (0.3%)، يملك 6 أشخاص منهم فوق المليار دولار (4 من آل الحريري و2 من آل ميقاتي بحسب مجلة «forbes»)، وستة غيرهم بين 500 مليون دولار والمليار.
تصنّف «credit suisse» لبنان على أنه بلد ذو دخل متوسط أعلى، إلا أن مقياس «Gini» (تصنيف درجات التفاوت في توزيع الثروات من 0% إلى 100%) يمنح لبنان نسبة 84.8% في عام 2015، أي إن درجة التفاوت فيه مرتفعة جداً وتكاد تلامس الدرجة الأعلى (كلما اقترب المقياس من 100% كانت درجة التفاوت أسوأ). المفارقة أن درجة لبنان على هذا المقياس هي أعلى من مصر (80.3%)، على سبيل المثال، حيث تحوي طبقة «مالكي أقل من 10 آلاف دولار من الثروة» 91.7% من المجتمع، وكذلك أعلى من الهند، حيث تحوي تلك الطبقة 95.4% من المجتمع.
تركّز الثروة في يد القلّة يقابله الشح المتزايد للثروة عند أكثرية المجتمع. إذ بالمقارنة مع اليابان مثلاً، تضم طبقة أصحاب الثروات التي تفوق المليون دولار 2% من المجتمع، فيما لا تضم طبقة أصحاب أقل من عشرة آلاف دولار إلّا 9% من المجتمع، علماً أن المؤشرات تدل على أنها تكبر. ويجدر الأخذ بالاعتبار أن هذا المؤشر لا يعكس الوقائع تماماً، إذ لا يظهر لنا التفاوت في داخل المجموعات، فالفرق كبير بين أن تملك ثروة مئة ألف دولار أو أن تملك ما يساوي العشرة آلاف دولار، أو أن تملك ثروة تساوي 10 آلاف دولار وأن لا تملك شيئاً، خاصةً إذا كنت تعيش في ثاني أغلى مدينة عربية.