قبل ست سنوات حين دعا ناجي باز، المدير الفني لـ «مهرجانات بيبلوس الدولية» حامد سنّو ورفاقه للغناء عند الميناء الفينيقي القديم، كان يخوض مغامرة مجنونة. النجاح الكبير الذي حققته فرقة الإندي بوب والروك البديل اللبنانية يومذاك، أكّد رؤيوية هذا المنتج، وفتح لـ «مشروع ليلى» باب التكريس.وتراكمت بعد ذلك المواعيد: حفلة نادرة في «بعلبك» (2012) ثم في «الزوق» (2014)، ولم ينفك جمهورها يكبر ويتسع، لتُستقبل بحفاوة في لندن أو باريس، في القاهرة أو تونس. لكن للأسف ركب شيطان الانحطاط رأس محافظ عمّان قبل اشهر فمنع حفلة ضخمة للفرقة في المدرج الروماني، جازماً انها من «عبدة الشيطان» بسبب أغنية «الجن»! الرقيب غالباً لا يفهم لغة المجاز، فكيف في ظل الاستبداد والظلامية، في أزمنة الردّة والانحطاط؟
مساء الجمعة 5 آب/ أغسطس، عادت «ليلى» إلى بيبلوس تسبقها هالتها، لتلهب الجمهور بأغنياتها التي تحرّض على الرقص والحب والتمرد والعدالة. حامد سنو (غناء) وهايغ بابازيان (كمان) وفراس أبو فخر (غيتار وكيبورد) وكارل جرجس (درامز) وإبراهيم بدر (باص)، استعادوا أغنيات «ابن الليل» أحدث ألبوماتهم، وكذلك أغنيات من «رقصوك» و«الحل رومانسي».
جمهور شاب لم نره حتى الآن في «بيبلوس» هذا الموسم، ملأ المدارج على آخرها، وتجاوب مع «مشروع ليلى» خالقاً حالة هستيرية تذكر بمناخات الروك الصافية.
«فليكن ما يكن بدي كون بعدني واقف عم غني» يردد حامد. على الشاشة شغل بصري مميز صار جزءاً من هوية الفرقة. مطر من الاضواء الحمراء تفرقع فوق الشارع الذي تتقدم فيه الكاميرا، تستحيل نجوماً تتطاير من جسد الراقصة الشرقية. ونقرأ عنوان أغنية «للوطن»: «وبس تتجرأ بسؤال عن تدهور الأحوال/ بسكتوك بشعارات عن كل المؤامرات»...
نقرأ أيضاً، بخطوط اعلانات أيام زمان، عبارة «أووووه» الطالعة من أغنية «الجن» التي تسببت بمنعهم في الأردن : «بالغابة منسهر بالليل/ منشرب من قلب الغزال/ مننخر الأرض بعصيان/ ليطوف الخمر من العين/ كل النسوان والرجال/ جايين لابسين الجلود/ بانتظار اللي بيموت وبيعود/ منسمع حكمة الأعناب/ كل الحكم بالأعناب/ رح نهجر حالنا بس الله معنا». يا لهوي!
وكرّت الاغنيات الاستفزازية عن الذكورية («مغاوير») و«عبدو يللي كان مغروم/ قرر عن الحب يصوم!». «طيف» عن «غوست» النادي الليلي في بيروت الذي أغلقوه «لأنهم حيوانات»: «عليلي كعبك بالغنا بعدا الأغاني ممكنة».
كان لا بد من وقفة مع «فساتين» الحنين : «بتتذكري لما قلتيلي/
مسكتيلي ايدي ووعدتيني بشي ثورة/ كيف نسيتي كيف نسيتيني؟...». لكن الحضور الطاغي كان لأغنيات الألبوم الأخير التي تقدّم للمرأة الأولى في لبنان، وهي لا تخلو من الجرأة والحس النقدي والاستفزاز السياسي والموسيقي... وصولاً الى أغنية «المريخ» التي جسّدت بالكلمة والموسيقى والمناخات البصريّة، حالة الفنان تحت تأثير الأدوية الخاصة بعلاج الاضطرابات النفسية.
مرّة أخرى برافو«بيبلوس»! مبروك «مشروع ليلى»!