نُظر الى هذا الكمّ من المعطيات كما لو الاستحقاق الرئاسي نضج اسرع مما هو متوقع له. عُد ما قاله فرنجيه لايرولت ازاحة عقبة اساسية من طريق انتخاب عون، خصوصاً ان انسحابه يحرّر الحريري من التزام استمرار ترشيحه له.
من دون ترابط مباشر بين ما ادلى به في عين التينة الجمعة الفائت وموقف رئيس مجلس النواب من ترشحه، اعاد فرنجيه تصويب مسار الاستحقاق الرئاسي بتأكيد مضيه في هذا الترشح. على اثر مقابلته الرئيس نبيه برّي، تلقى فرنجيه مكالمة هاتفية من الحريري اطرى له موقفه واعلان تمسكه بترشحه، وأكد له هو الآخر هذا الموقف.
الاسد فوض الى نصرالله الموقف من الاستحقاق الرئاسي
في صلب مغزى التدخّل المفاجىء لفرنجيه في الجدل الاخير، بضعة معطيات:
1 ــــ اهتم الوزير الفرنسي لدى مناقشته الاقطاب اللبنانيين، ابان زيارته بيروت، بسبل مساعدته على التوصل الى افكار عن مخرج لانتخاب الرئيس، يحملها الى السعودية وايران وبذل مساعي لديهما للحصول على موافقتهما على دعم هذا المخرج. من بين ما اقترحه على الاقطاب، سؤاله عن احتمال التفاهم على مرشح ثالث او مرشح توافقي، من دون ان يحمل اسماً او يحاول انتزاع تنازلات اساسية من المرشحين الرئيسيين.
2 ــــ رداً على طرح هذا الاحتمال، بعدما اكد تمسكه بترشحه، اجابه فرنجيه انه يتخلى عن هذا الترشح في حال تحقق اوسع اجماع لبناني، يشمل الافرقاء جميعاً بلا استثناء، على مرشح واحد للرئاسة. اذ ذاك لن يتشبث بترشحه، ولن يترك نفسه وحيداً خارج الاجماع الوطني ولا التخلّف عن ملاقاته. على انه ليس جاهزاً لتقديم تنازل مجاني.
3 ــــ لا يعدو ما قاله فرنجيه رداً محدداً على سؤال محدد. لم يكن المبادر في طرح تخليه، ولم يكن يقدم حلاً او مخرجاً لمأزق الاستحقاق. في الوقت نفسه ليس في صدد التراجع عن ترشيح تبناه فريق داخلي اساسي هو الفريق الذي يمثله الحريري، لكنه الفريق نفسه الذي يحول دون وصول عون الى الرئاسة، مع ان فرنجيه وعون ــــ المرشحين المتنافسين الوحيدين ــــ يتساويان في الحصول على دعم حزب الله. ما عناه كلامه للوزير الفرنسي جواب افتراض عن سؤال افتراضي ليس الا.
4 ــــ لا يساور فرنجيه ادنى شك في ان ترشيح الحريري له منفصل عن اي بعد اقليمي، وتحديداً سعودي، او لا يحظى بتأييد غربي، عكسته ــــ وإن على عجل متسرع ــــ مكالمة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند به بعيد الكشف عن اتفاق باريس بين الرئيس السابق للحكومة ونائب زغرتا.
5 ــــ يعرف فرنجيه مقدار ما يعرف حلفاؤه وخصومه على السواء، ان لا موقف مباشراً للرئيس السوري بشار الاسد من الاستحقاق الرئاسي. سبق لزوار لبنانيين اتيح لهم في اوقات متفاوتة الاجتماع به، ان سمعوا منه موقفاً واضحاً هو انه لا يبدي رأياً في الاستحقاق الرئاسي، المتروك في عهدة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ما قاله تكراراً لاولئك وسواهم ان سوريا توافق سلفاً على كل الخيارات التي يرتئيها نصرالله في الاستحقاق والمرشحين على السواء، وفي رأيه ان نصرالله هو ادرى بما يجري. وهو ما عناه ان الاسد، منذ الشغور الرئاسي، لم يقل يوماً رأياً في انتخابات الرئاسة اللبنانية. في هذا الموقف كمنت وجهة نظر فرنجيه الذي لا يتوقف عن مكالمة الاسد اسبوعياً ــــ وقبل ايام قليلة كانت مكالمتهما الهاتفية الاخيرة عبّر فيها الرئيس السوري الى ارتياحه الى مسار معركة حلب ــــ ويعرف تماماً ان انه ليس في وارد الطلب منه الانسحاب من الترشح، كذلك لن يفعل نصرالله. الا ان فرنجيه يعرف الموقف الفعلي للامين العام لحزب الله من الاستحقاق: عون وفرنجيه مرشحان لا يسع حزب الله التخلي عن احدهما، حليفان إستراتيجيان موثوق بهما، تفرّق بينهما اولوية لا تزال لرئيس تكتل التغيير والاصلاح الا اذا اراد هو التخلي عن ترشحه.
لم يرم مغزى ما ادلى به فرنجيه الجمعة الفائت في عين التينة، ما خلا تأكيد المؤكد، سوى الى القول ان التسوية ببعديها الاقليمي والمحلي على الاستحقاق لا تزال مبكرة، بعيدة الى حد، ولا تطابق بالضرورة التوقعات الشائعة المغالية في تفاؤلها. ولأن الامر كذلك، لا يزال التنافس ــــ حتى أوان التسوية تلك ــــ يتسع للمرشحين الرئيسيين الاثنين كما لسواهما.