للامتحانات الرسمية رهبة في نفوس التلامذة وأهاليهم. فالاستحقاق يكاد يكون التقويم الوحيد لنجاح التلميذ والأستاذ والمدرسة في صفوف الشهادات. من أجل هذا النجاح، أي تحصيل العلامات، لا يتردد بعض الأساتذة في إعداد الملخصات التي تجعل مواد المنهج ممسوخة وغير قابلة للربط والاستنتاج. هكذا، نسمع عن الأستاذ «الشاطر» الذي ركز على ناحية معينة من المقرر تُطرح حولها أسئلة الامتحان. بل أكثر، اذ ينصب الاهتمام في بعض المدارس، بما فيها تلك التي تدعي اتباعها للتقويم التكويني (تكوين المعرفة)، على مقاربة أسئلة الامتحانات الرسمية وتصنيفها إلى كفايات أساسية بغية اعتمادها مواد تدريسية بدلاً من اتباع المنهج المقرر.
فرضية تأثر الامتحانات المدرسية وأدوات التقويم المختلفة في صفوف الشهادات بالامتحانات الرسمية ابتلعت الفرضيات الأخرى في أطروحة الدكتوراه التي أعدتها جنان عطار، الطالبة في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية، بعنوان «تقويم تعلم اللغة العربية لصفوف شهادة الثانوية العامة في لبنان». تقول عطار إنّ «كل أنواع التقويم تسخّر من أجل الامتحانات الرسمية. فهاجس تحقيق نسبة نجاح 100% يطغى على أي هدف آخر بما في ذلك التأكد من مدى إلمام المتعلم بلغته الأم واتقانه لها».
اللافت في آراء المعلمين أنّ 85.7% من عينة الدراسة، التي شملت مدارس في بيروت وجبل لبنان، قالوا إنهم يعطون مواضيع مكمّلة للكتب الرسمية المعتمدة لأجل النجاح في الامتحانات الرسمية فقط، فيما أجاب 78.6% من هؤلاء بأنّهم يلفتون نظر المتعلمين إلى أن السؤال الذي سيناقشونه أو الدرس الذي سيشرحونه قد يرد في الامتحانات الرسمية.
تنتقد عطار كيف أن المسابقة لا تزال تقيس فقط التواصل الكتابي، وتغفل التواصل الشفوي المعتمد بالمناسبة في امتحانات البكالوريا الفرنسية، وتسأل لماذا لا تُعتمد علامة ملغاة في المادة دفاعاً عن اللغة العربية، وإلى متى سنبقى نحدد مسابقة التلامذة في الفروع العلمية مثل علوم الحياة والعلوم العامة بالمقالة العلمية؟ ماذا لو استبدلنا المقالة بالشعر مثلاً؟
أساتذة اللغة العربية أشاروا إلى النقص في طرح أسئلة القواعد بصورة خاصة، ولا سيما أنّه يطلب من التلميذ أن يدرس 21 درس قواعد ولا يسأل عن أي منها أحياناً إلاّ عرضاً، مثل ضبط أواخر الكلمات أو ما شابه. هذا الجانب لحظته لجنة اللغة العربية في الامتحانات في التوصيف الذي رفعته إلى رئاسة المركز التربوي للبحوث والإنماء منذ نحو 7 أشهر، والذي يغطي أيضاً الكفايات اللغوية والاجتماعية والثقافية والاستخدام السليم للغة والتعبير الكتابي المنهجي، لكنه لن يعتمد في هذه الدورة.

دور النشر الخاصة تسوّق كتبها في المدارس الرسمية


إلاّ أن الاشكالية الأبرز تكمن في نسبة الرسوب العالية، إذ تشير إحصاءات المركز التربوي عام 2010 مثلاً إلى أن 35.46% نجحوا في مسابقة اللغة العربية لعلوم الحياة من أصل 83.38% نجحوا في هذا الفرع. الغريب أن لا تتجاوز النسبة الـ50% في اختصاص الآداب والإنسانيات حيث اللغة العربية مادة أساسية. يعزو أحد أعضاء اللجنة الرسوب إلى خلل في المنهج نفسه لجهة كثافة المحتوى وغياب طرائق التدريس الناشطة وعدم تدريب المعلم التدريب الكافي.
ليست صعوبة الأسئلة هي السبب في الرسوب في الجغرافيا، الذي طاول أعلى مستوياته أي 90% عام 2011 وفي شهادة علوم الحياة تحديداً. هذا ما تقوله أستاذة تعليم الجغرافيا في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية د. الهام بدران، وخصوصاً أنّ الأسئلة باتت نمطية والجميع يجب أن ينجحوا، إلاّ أنّ ضعف التواصل بين أساتذة المادة ولجنة الامتحان لناحية تدريب التلامذة على نمط معالجة الاسئلة كان يسبب في السابق هذا الرسوب وبدأ يجد طريقه إلى الحل مع اللجنة الجديدة التي باتت تنظم أياماً تربوية للأساتذة، بحسب بدران. لم يكن التلميذ يعرف مثلاً ما الفرق بين عنوان النص الجغرافي وموضوع النص الجغرافي وهما سؤالان يطرحان في المسابقة نفسها، فيخسر العلامات، كذلك فإنّ معظم الأساتذة كانوا يركزون في الأسئلة الاختيارية على المستندات والأسئلة ويتهربون من تدريب تلامذتهم على معالجة الموضوع الجغرافي الذي يهيّئ التلامذة لخطوات البحث العلمي لسبب أنّ الأساتذة أنفسهم لم يكتسبوا طريقة المعالجة، كما تقول. هكذا كانت نسبة الذين يختارون الموضوع الجغرافي لا تتجاوز 20% وقد أصبحت اليوم في حدها الأقصى 50%.
برغم بعض المحاولات الجديدة، لا تزال الأسئلة، بحسب بدران، «طابشة» لمصلحة المخزون المعرفي وتحصيل التلميذ للمعلومات من الجغرافيا على حساب تنمية المواقف والاتجاهات وبناء باقي جوانب الشخصية (طريقة التفكير، القدرة على الاستنتاج، الربط والتحليل) والناحية الاجتماعية (أسلوب تعامله مع الآخرين، التعاون، التسامح..). نادراً ما يطلب من التلميذ إبداء رأي أو اقتراح حل. قامت الدنيا ولم تقعد عندما طرح سؤال بما معناه: برأيك، أيهما أكثر أهمية في العصر الحالي القمح أو النفط؟ علماً بأن الجغرافيين ينتظرون أن تكون مثل هذه الأسئلة جزءاً لا يتجزأ من مسابقات الجغرافيا في فروع الثانوية العامة، إذ إن تدريب تلامذة هذه المرحلة على التفكير النقدي هو أحد الأهداف الأساسية للمادة.
في استطلاع آراء أساتذة في مواد أخرى تعثر على ملاحظات خاصة بكل مادة وأخرى مشتركة بين كل المواد. أساتذة الاقتصاد مثلاً يتحدثون عن ضيق الوقت المخصص لتعليم المادة، إذ يطالب هؤلاء بخمس ساعات أسبوعية على الأقل بدلاً من أربع. ثمة شكوى من كثافة الموضوعات المطلوب اختبارها في المرحلة المتوسطة في الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة، ما يرهق الطلاب في الإعداد لتلك المواد للامتحانات الرسمية. وفي اللغة الفرنسية، تسمع أن النص المعروض للتلامذة لفهمه والإجابة عن الأسئلة المرتبطة به بعيد في بعض الأحيان عن واقع التلامذة كفئة عمرية مستهدفة في امتحانات الشهادة المتوسطة والثانوية العامة، وهذا ما يفسر نسب النجاح المتدنية التي لا تتجاوز 30%.
أما في الفيزياء، فيبدو أن التلامذة باتوا معتادين نمط الامتحانات وبالتالي يمكنهم وأساتذتهم توقع سهولة مضمون الأسئلة التي تتطلب إجابات مباشرة او حتى تلك التي تتطلب تحليلا.
وفي الملاحظات العامة، يتفق المدرسون على أن مضمون الكتاب المدرسي الرسمي المعتمد في المدارس الرسمية على نحو خاص لا يكفي لاجتياز الاستحقاق، إذ إن هناك حاجة دائمة لدليل مساعد تعده دور النشر الخاصة وتسوّقه في المدارس الرسمية، ما يطرح مسؤولية المركز التربوي في تعديل المناهج التي لم يطرأ عليها أي تطوير منذ عام 1997، مع العلم أن المركز ينكب هذه الأيام على عقد ورش في هذا الخصوص.
الأسئلة في معظم المواد تشمل في كثير من الأحيان جزءاً صغيراً من المادة، وبالتالي فالعلامة الحاصلة هي على هذا المقدار من المنهاج، لا على كل أجزائه، أي إنّها لا تمثل التقويم الحقيقي للتلميذ ولا تظهر نقاط الضعف أو نقاط القوة لمعالجتها أو لتنميتها في المرحلة اللاحقة.




تأرجح نسب النجاح

استناداً إلى مؤشرات المركز التربوي للبحوث والإنماء بين عامي 2001 و2010، يمكن ملاحظة تأرجح ملموس في النتائج هبوطاً وصعوداً في جميع المواد بين سنة وأخرى، كأن تبلغ نسبة النجاح على سبيل المثال في مادة الاجتماع 63.37% عام 2010 مقابل نسبة متدنية 31.89% عام 2009. في المقابل، لامست نسبة النجاح في مادة الرياضيات لفرع الآداب والإنسانيات عام 2010، 63.9% مقابل 14% عام 2009.
هذه الفروق تجعل المسؤول في مجمع مونتانا التربوي نبيل ضاهر يسأل: «ماذا تقيس الامتحانات الرسمية لدى التلميذ؟ هل السبب وراء النتائج المتأرجحة هو التفاوت في الكفاءة والأهلية للتلامذة المتقدمين إلى الامتحانات في تلك السنة، أم نتيجة الاختلاف الجوهري في مضمون الأسئلة المطروحة، أي نوعية هذه الامتحانات وصعوبتها من سنة إلى أخرى؟ أم أنّ السبب ببساطة هو تغيير أعضاء لجان الامتحانات، الذين يعتمدون معايير قياس مختلفة؟ ماذا تعكس النسبة المئوية للتلامذة الذين تقدموا للامتحانات ولم يجتازوها بنجاح؟ وما هي البدائل المطروحة أمام هذه الفئة، ولا سيما في امتحانات الشهادة الثانوية، على أساس أنّ تلامذة الشهادة المتوسطة يستطيعون استكمال تحصيلهم العلمي في المرحلة الثانوية المهنية؟