بعد أكثر من ثمانية أشهر على إطلاق «مناقصة تحديث وتطوير وتشغيل المحطات الحالية للمعاينة الميكانيكية وإنشاء وتجهيز وتشغيل محطات جديدة» (عدد المحطات الإجمالية يبلغ 12 محطّة)، أعلنت لجنة التلزيم فوز تحالف شركات SGS ــ Autospect ــ Securitest ــ Auto securite france وترسية التلزيم عليها بقيمة 44.012 مليون دولار سنوياً، على فترة 10 سنوات، اي بمبلغ إجمالي قيمته 441.2 مليون دولار. جاءت هذه النتيجة بعد مرحلتين من التنافس وسط شبهات واسعة وأقاويل متزايدة حول تركيب وتفصيل دفتر الشروط على قياس إحدى الشركات. في مرحلة الصفر، أي مرحلة إعداد دفاتر الشروط وإطلاق المناقصة، أبدت إدارة المناقصات اعتراضها على الكثير من بنود دفتر الشروط لجهة تركيبه وطريقة توزيع العلامات الفنية والمالية وعلى آليات التلزيم الإدارية... إلا أن قرار مجلس الوزراء منح هيئة إدارة السير الغطاء للسير بالمناقصة وفق دفتر الشروط الذي نصّته هي.
لاحقاً، برزت اعتراضات واسعة حول حصول تزوير في دفتر الشروط لجهة شروط الاشتراك في المناقصة، وتحديداً شرطي حيازة الأيزو 17020 وعدد المعاينات المطلوبة. اعترضت شركة «فال» وهي المشغّل الحالي لمحطات المعاينة الميكانيكية، فأصدر مجلس شورى الدولة قراراً يعتبر فيه أن تلاعباً طرأ على عدد المعاينات المطلوبة كشرط للمشاركة في المناقصة. جرى تعديل دفتر الشروط، وانطلقت المناقصة في نيسان لتبدأ المرحلة الأولى، اي المرحلة الإدارية. يومها تبيّن أن غالبية الشركات المشاركة لديها ثغر في تكوين ملفاتها، إلا أن اللجنة اعتبرتها ثغراً شكلية يمكن تصحيحها بعد منح العارضين مهلة معقولة وبهدف إبقاء عنصر المنافسة، إذ إن الاستبعاد كان سيطاول 5 شركات من أصل ست شركات تتنافس.
هكذا، استبعد تحالف شركتي «بيرو فيريتاس ــ supervision Y control» وتحالف شركة «دنش ــ Opus» عن المناقصة. الشركتان قدمتا اعتراضين أمام مجلس شورى الدولة، لكن الاخير رفض الاعتراض الأول وقبِل الثاني، فاعاد شركة «دنش ــ Opus» إلى حلبة المنافسة ومنحها مهلة لاستكمال ملفها الإداري والمشاركة في العروض الفنية.
في هذا الوقت كانت شركة «فال» قد اغرقت مجلس شورى الدولة بالاعتراضات على المناقصة. مرّة اعترضت على دفتر الشروط، ومرّة طلبت ابطال المناقصة بكاملها، وأخرى طلبت الابطال بسبب تعيين لجنة فنية من أعضاء غير مؤهلين واخيراً طلبت الإبطال مجدداً.
هذه الاعتراضات أوقفت المناقصة لأسابيع، لكنها لم تصل إلى درجة إبطالها نهائياً، بل استكملت المرحلة الثانية منها، أي تعيين لجنة من الخبراء لدراسة العروض فنياً وتقنياً قبل المرحلة الأخيرة المتصلة بفضّ الأسعار. بعض الشركات استغربت عدم توجيه أي دعوة لممثليها للمشاركة في دراسة العروض وتقديم الايضاحات المناسبة للجنة، إلا أن مصادر لجنة الخبراء أوضحت أن القاضي كارل عيراني طلب أن تكون المعايير المشدّدة في التعامل مع العروض الفنية مطبقة على جميع الشركات الخمس المشاركة في المناقصة، وهذا يعني أنه لن تكون هناك استيضاحات لأحد ولا مهل لاستكمال أي عرض، بل يجب أن تدرس العروض كما وردت ثم يجري فضّ الاسعار.
مصادر تحالف شركات جودة ــ Aplus قالت لـ«الأخبار» إن لجنة الخبراء ارتكبت اخطاء جسيمة أدت إلى قرارات غير صحيحة، وانه لا وجود لأسباب جوهرية لاستبعادها في المرحلة الفنية قبل فضّ الأسعار، وبالتالي عدم فتح سعرها، إذ كان يمكن منحها علامات فنية ضعيفة ولكن كان عليهم فض السعر المقدم من الشركة، الذي تبين انه ادنى بنسبة 30% من سعر الشركة الفائزة.
تبرر مصادر في لجنة الخبراء استبعاد ثلاث شركات قبل فض الاسعار لمخالفتها العديد من البنود في دفتر الشروط، منها المادة 23-2-4، التي تقول إن «العارض يُعتبر خارج المناقصة إذا كانت مكونات التقييم الفني أقل من الحد الأدنى المسموح به أينما وجدت بالنسبة للرموز التي حدّد لها حدّ أدنى في مكونات التقييم الفني». وبذلك، جرى استبعاد الشركات الثلاث عن المنافسة الفنية والتقنية، وهي: «دنش ــ OPUS»، «فال ــ ديكرا ــ سوبال ــ ERI» و«جودة ــ APPLUS». وتضيف المصادر ان اللجنة اعتبرت انه لم يعد هناك من داع لفتح أسعار هذه الشركات. أما الشركات التي بقيت في المرحلة الثالثة، أي مرحلة فتح الاسعار، فهي: «أس جي أس ــ AUTOSPECT»، «ضومط ــ VIV AUTO».
تقول مصادر مطلعة على الملف إن مشكلة استبعاد الشركات الثلاث لا تكمن في لجنة الخبراء، بل في تركيبة دفتر الشروط وتوزيع العلامات بين 60% على الشق الفني، و40% على السعر. هذا التوزيع يعني أن هناك الكثير من الشروط الفنية التي يجب الالتزام بها، فيما التقويم الفني قابل للاستنساب كثيراً. في الحصيلة، اجمعت لجنة الخبراء على هذه النتيجة، على الرغم من أن المشكلة تبقى قائمة في طبيعة وجود الشق الفني، إذ كان يفترض أن يكون هناك مواصفات مفروضة من قبل الدولة توضع على اساسها الاسعار، وتكون حصّة الأسعار من العلامات هي الأكبر، وعندها يكون للسعر تأثير حاسم في النتيجة.
على اي حال، انتهى التقويم الفني بتنافس بين شركتين؛ اس جي أس وضعت سعراً قيمته 44.012 مليون دولار، في مقابل 44.616 مليون دولار لسعر شركة ضومط، فقرّرت لجنة التلزيم ترسية التلزيم مؤقتاً على العارض الاقل سعرا، اي أس جي أس.




الكلمة للخصخصة
جاءت هذه المناقصة بعد 12 سنة من خصخصة المعاينة الميكانيكية وتلزيمها الى شركة «فال». التزمت هذه الشركة «بصورة مؤقتة» إنشاء وتشغيل 5 مراكز معاينة لمدّة 10 سنوات بطريقة الـBOT. ثم مدّد العقد معها لمدّة 6 أشهر، ثم لستة أشهر إضافية في انتظار اطلاق المناقصة، وتبعتها ستة اشهر أيضاً، ثم جُدّد العقد لفترة 3 أشهر كان يفترض أن تنتهي في مطلع 2015، إلا أن الشركة نفسها استمرّت حتى اليوم.
وجود «فال» وغيرها من الشركات في مرافق اخرى، كانت نتاج سياسة ملتوية اعتادت السلطة في لبنان عليها، كوسيلة للسيطرة والتحكم بريوع تقديم الخدمات العامة، تحت شعار الخصخصة" كبديل عن "الدولة"، وبرغم تزايد الحديث عن فسادٍ مستشرٍ في آلية تقديم هذه الخدمة للمواطنين وتردّي قدرة الشركة المشغلة ومحطات المعاينة على تغطية الطلب على إجراء المعاينة الميكانيكية، إلا أن "الخصخصة" بقيت الشعار الرائج من دون ان يتقدم اي من قوى السلطة بطرح يعيد للدولة دورها في ادارة مرافقها وتقديم الخدمات العامة من دون وسيط يُدعى "القطاع الخاص".