تنبع مسؤولية الرياض من المسؤولية عن زيارة الجنرال المتقاعد أنور عشقي ووفد سعودي معه إلى إسرائيل، من أن زيارة كهذه لا يمكن أن تتم من دون موافقتها أو إعطائها الضوء الأخضر، وإلا لكانت أدانتها رسمياً، واتخذت اجراءات بحق الزائرين... إلا إذا كان المسؤولون السعوديون يرون أن الزيارة لم تكن لجهة معادية؛ وخطورة تغليف الزيارة بادعاء أنها كانت إلى فلسطين، من دون الأخذ بالحسبان أنها تحت الاحتلال، تعني أن أي زيارة لأي بقعة من فلسطين المحتلة ضمن الشعار نفسه هي التفاف يهدف إلى تمرير التطبيع مع العدو، من دون الأخذ في الاعتبار الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون، بل منح الشرعية والغطاء لكل المجازر السابقة التي ارتكبها العدو أو سيرتكبها لاحقا.تجدر الإشارة إلى أن عشقي كان قد التقى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، ومنسق شؤون الاحتلال في الضفة المحتلة، اللواء يوآف مردخاي، في فندق الملك داوود الواقع غربي القدس (منطقة محتلة منذ 1948) كما كشفت صحيفة «هآرتس». ويأتي توقيت الزيارة المعلنة للوفد السعودي إلى إسرائيل، بعد سلسلة من الخطوات السابقة، التي كانت تؤشر على أن المسار يتجه نحو مزيد من تظهير العلاقات بين الرياض وتل أبيب، والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة، من الناحية العلنية، وهو ما تجسد في زيارة الوفد السعودي.
على الخلفية نفسها، من الطبيعي أن نشهد لاحقاً خطوات أكثر «جرأة» وصراحة في التعبير عن حقيقة الموقف السعودي من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وأيضا عن وحدة الموقف والخيارات الإقليمية بين تل أبيب والرياض، لذلك تحضر مروحة من السيناريوهات والاحتمالات حول الخطوات اللاحقة، من ضمنها، زيارة معلنة لوفد إسرائيلي إلى الرياض، بعدما كشفت تقارير إسرائيلية خلال الأشهر الماضية عن زيارة سرية لوفد إسرائيلي رفيع إلى العاصمة السعودية، من دون أن ينفي أي من الطرفين ذلك.
في هذه الأجواء، أكد عضو الكنيست عن حزب «ميرتس» عيساوي فريج، للإذاعة الإسرائيلية، أن «عدداً من أعضاء الكنيست من المعارضة الإسرائيلية معنيون بتلبية دعوة عشقي لزيارة السعودية بهدف مناقشة مبادرة السلام العربية»، مشدداً على أن «هناك استعدادات لتشكيل بعثة من أعضاء الكنيست من المعارضة لزيارة السعودية».
أعضاء كنيست معنيون بتلبية دعوة عشقي لزيارة المملكة

وبينما تجاهل الجنرال السعودي، الإرهاب الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، نزع صفة الإرهاب عن الاحتلال نفسه عندما اعتبر في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس مصدر الإرهاب، ولكنه يخلق أرضية خصبة لأعمال إرهابية في المنطقة»، وفق موقع «تايمز أوف إسرائيل». وعبّر عشقي عن رؤيته حول الطريقة التي يمكن أن تساعد بها إسرائيل لقطع الطريق على إيران، في دعم فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، بالقول: «في حال حلّ الصراع، فإن الدول التي تستغل القضية الفلسطينية، وأعني بذلك إيران، لن تكون قادرة على الاستفادة من ذلك». كما شدد على أن «حل الدولتين هو الأساس لحل الصراع»، رغم أن هذا الحل يقوم على شرعنة دولة إسرائيل واحتلالها لغالبية أرض فلسطين، إلى جانب قيام دولة فلسطينية على أجزاء من الضفة وغزة وفق الشروط التي تضعها إسرائيل.
عشقي تجاهل أيضاً خطوة التطبيع التي تجسدها زيارته، فهو ترأس وفداً من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين، من دون أن يوضح دور هؤلاء في الزيارة، مع أنه قال إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي مرهون باتفاق مع الفلسطينيين. ورأى في مقابلته مع إذاعة الجيش، أنه «على حد علمي، ليس هناك تعاون بين إسرائيل والسعودية في مكافحة الإرهاب».
في ما يتعلق بالزيارات المتبادلة بين السعودية وإسرائيل، أكدت مصادر فلسطينية أن زيارة عشقي ليست الأولى له إلى إسرائيل، كذلك قالت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، في آذار الماضي (2/3/2016)، إن وفدا إسرائيليا رفيع المستوى، ضم شخصية إسرائيلية زارت الرياض. وبررت القناة حينذاك عدم إيراد المزيد من التفاصيل بسبب منع الرقابة العسكرية، التي لم تعارض نشر أصل الخبر في ذلك الوقت. ولفتت القناة إلى أن السعوديين أرادوا دائما أن يبقى ذلك في الظلام، لكن السلطات الجديدة والملك سلمان والأمراء المحيطين به لا يخجلون بذلك، ويضعون المسألة الفلسطينية جانباً. وأوضحت آنذاك أن «هناك سخونة استثنائية جداً في العلاقات مع السعودية ومع سائر دول الخليج، وبين إسرائيل».
في الإطار نفسه، رأت القيادية في كتلة «المعسكر الصهيوني»، وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، خلال ندوة أقيمت في كفار سابا، أن «دولاً معتدلة في المنطقة تسعى إلى التحالف مع إسرائيل لمواجهة محور إيران ــ حزب الله»، مضيفة أن هذه الدول «ترغب أولاً في إجراءات إسرائيلية لحلحلة الصراع مع الفلسطينيين».
في المقابل، رأى أحد الأحزاب العربية في إسرائيل («الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة») أن زيارة الوفد السعودي «لا تهدف إلى تليين الرفض الإسرائيلي للمبادرة العربية للسلام، بل لإسباغ الشرعية عليها، وتقديم غطاء سياسي عربي لتفريغ المبادرة من مضمونها واغتيال حل الدولتين وتصفية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره». وأضافت الجبهة في بيان أن الزيارة تهدف أيضا إلى «تطبيع التعاون بين إسرائيل والسعودية ضد إيران وسوريا وحركات المقاومة في المنطقة». كذلك رأى الحزب الشيوعي في إسرائيل أن «انتقال التحالف بين إسرائيل والسعودية إلى المرحلة العلنية، يعكس المخاطر الجسيمة على حقوق الشعب الفلسطيني، ولا سيما في غمار هجمة الاستعمار وزعانفه على دول وشعوب المنطقة».
إلى ذلك، رأت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، أن «من ضمن ما يميز التطورات المهمة في العلاقات الخارجية لإسرائيل هو التناسق بين دفع المصالح الإسرائيلية وبين ما يحدث في العالم من حولنا، خاصة العوامل المشتركة بيننا وبين بعض الدول العربية في مواجهة تهديدات إيران وداعش ومواقف الولايات المتحدة منها». وأضافت الصحيفة: «الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني لم يعد الموضوع الرئيسي الذي يشغل اهتمام صناع السياسة في العالم العربي السني، لكن هؤلاء لا يمكنهم تجاهله، لذلك علينا ألا نتوقع إقامة علاقات دبلوماسية رسمية قريبا مع الرياض مثلا... إسرائيل يمكنها استغلال الوضع الجديد في علاقاتها مع قسم من العرب لمحاولة دفع حلول مرحلية للمسألة الفلسطينية».