من ينسى «أمير الكبتاغون» عبد المحسن بن وليد آل سعود الذي ضُبط مُتلبّساً بقرابة ٢ طن من حبوب الكبتاغون في مطار بيروت الدولي في تشرين الأول العام الماضي؟ ومن ينسى الجهود الجبّارة التي بُذلت لإطلاق سراحه أو لإلصاق التهمة بأحد مرافقيه لإخراجه من القضية، لكنها لم تُفلح بسبب الضغوط المقابلة؟ الأمير السعودي الذي ظنّ قاضي التحقيق في جبل لبنان ربيع حسامي به مع تسعة آخرين بجرائم الاتجار بالمخدرات وترويجها وتعاطيها يعيش حياة رفاهية في توقيفه، لا تكاد تنقصه معها حتى الحرّية ربما. إذ تكشف مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنّ «الموقوف عبد المحسن يعيش كأنّه في بيته»، مشيرةً إلى أنّ غرفة خاصة في مبنى مكتب مكافحة المخدرات (المبنى المعروف شعبياً بمخفر حبيش) فُرِزت لـ«أمير الكبتاغون» مزوّدة بكل وسائل الراحة.
فُرِزت غرفة خاصة في مبنى فصيلة حبيش لـ «أمير الكبتاغون» مزوّدة بكل وسائل الراحة
وينقل أحد الرتباء أن فيها جهاز تلفاز وهاتفاً. وتنقل المصادر الأمنية أنّ طلبيات الديليفري تنقل الطعام يومياً إلى غرفة «الأمير الموقوف» المزوّدة بجهاز تبريد. وأنّ أحد العناصر مكلّف «السهر على راحة الأمير» لجهة تدوين طلباته، علماً أنّ الأخير يُسمح له بإجراء الاتصالات متى شاء، فيما عمال المصبغة يترددون بنحو شبه يومي لإحضار ملابس «الأمير» المكوية. فضلاً عن الزيارة شبه الدائمة لديبلوماسي مكلّف من السفارة السعودية متابعة ملفه. وتشير المصادر نفسها إلى أنّه في خلال الفترة الأولى من التوقيف كان يُسمح لـ «الأمير» بالتنقّل في أرجاء الطابق حيث توجد "غرفته"، إلا أنّ أحد الضبّاط القادة تدخّل لإلزام المسؤولين بحبسه داخل غرفته وعدم السماح له بالخروج. وعلمت «الأخبار» أنّه في تلك الفترة، كان اسم عبد المحسن يُدوّن على لائحة الموقوفين التي تُعلّق في غرفة رتباء التحقيق في خانة «موجود خارج النظارة»، على عكس باقي الموقوفين الذين تُدوّن أسماؤهم مع رقم النظارة المحتجزين فيها. أما مرافق «الأمير»، السعودي يحيى الشمّري الذي أوقعت إفادته بالأمير وبوكيله خالد الحارثي باعتبارهما المخططين للعملية، فتكشف المصادر أنّه «مرميّ» في النظارة مع عشرات الموقوفين. وتكشف المصادر أنّ «العناية الملكية» لم تظلله، لأنه رفض حمل «تَجْرَة» الكبتاغون وحده، موقعاً بـ «الأمير» من خلال إفادته التي كشفت ضلوع الأخير بشكل رئيسي في الصفقة. وبحسب المصادر الأمنية، فإنّ هذه «الحظوة» التي يتمتع بها الموقوف السعودي أتت بناءً على توصية سياسية سببها تدخّلات من السفارة السعودية للحرص على «إقامة مميزة» لسليل العائلة المالكة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ حال الموقوفين على ذمة التحقيق في نظارات التوقيف في المفارز القضائية ومكتبي مكافحة المخدرات المركزي وحماية الآداب لا يمكن أن يحتمله إنسان. إذ إنّه في بعض الأحيان يصل عدد الموقوفين في النظارة إلى ٦٠ موقوفاً يُحشَر بعضهم فوق بعض. وينقل أحد الضباط لـ «الأخبار» أنّ موقوفاً في إحدى المرّات بدأ يضرب نفسه ويبكي. ولمّا أخرجه العناصر لمعرفة ما أصابه، كان الردّ بسوء الحال الذي يعيشه. فهؤلاء الموقوفون يتناوبون على النوم، باعتبار أنهم لا يمكنهم التمدد أو الإخلاد إلى النوم دفعة واحدة. ورغم جحيم الاكتظاظ هذا، تجد قوى الأمن الداخلي متّسعاً لإفراد غرفة بوسائل الراحة التي فيها لتمنحها لـ «تاجر مخدرات» ضُبط بحوزته ملايين حبوب الكبتاغون. علماً أنّ هذا الموقوف لو ضُبط في السعودية، لكان الحكم بحسب قانون العقوبات السعودي التالي: «حُكم مهرب المخدرات القتل تعزيراً (الإعدام) طبقاً لنص الماده 37 من نظام المخدرات لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها للبلاد من فساد عظيم، لا يقتصر على المهرب، بل يمتد إلى الأمة بأكملها فيصيبها بأضرار بالغة وأخطار جسيمة». أما حُكم المروج، فإذا كان للمرة الأولى تكون العقوبة الحبس من سنتين إلى خمس عشرة سنة. وفي حال العودة إلى الترويج تشدد العقوبة، ويمكن أن تصل إلى القتل «قطعاً لشر العائد عن المجتمع بعد أن تأصل الإجرام في نفسه، وأصبح من المفسدين في الأرض طبقاً لنص الماده 37 من القانون نفسه».
العدالة في بلادنا، كما الحقيقة حمّالة أوجه، تفصّل تبعاً لقياس مرتديها. وبالتالي، فإنّ السعودية التي تقضي بـ «القتل تعزيراً» على تجار المخدرات في ملكيتها، تتوسّط لتدليلهم في بلاد الأرز.