مؤسف ربما أن يصدر تقرير «لجنة شيلكوت» في خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المشرق العربي، فتظهر الصورة بعكس ما يجب أن تكون عليه. كان الأصل أن يكون رئيس لجنة التحقيق، جون شيلكوت، عراقياً، يقف أمام محكمة (دولية؟) ليطالب بمحاكمة طوني بلير ومعه فرقة «غزو 2003».هذا لن يحصل طبعاً في الوقت الراهن، أي في الوقت الذي يغرق فيه العراقيون يوماً تلو آخر في فوضى «الحرب على الإرهاب»، دون معرفة تاريخ انطلاقها ولا كيفية انتهائها. وفي الوقت الذي بات فيه العراقي أيضاً (ابن الكرادة، كما ابن تكريت) يئنّ أكثر من أي وقت مضى بفعل ضياع معالم السلطة في بلاده، لا بل ربما، بكلام أبسط، ملّ العراقيون من متاهة الحكم في دولة ما بعد عام الغزو. هذا العراقي كان يجيب، في اليومين الماضيين، عند سؤاله عن موقفه إزاء صدور «تقرير شيلكوت»: «هل تعتقد أنه بعد مرور 13 عاماً يمكن تقريراً كهذا أن يكون نافعاً؟ أو أنه سيقدم أو يؤخر شيئاً في أجندات المجتمع الدولي الكذاب؟». بينما كان آخر يقول: «ليت حكامنا يصدرون موقفاً رسمياً... لم يصدر بعد (حتى مساء أمس) أي موقف رسمي».
ويحدث ذلك في وقت أنّ الأزمة الثانية التي يلقي صدور التقرير الضوء عليها، تتمثل في أنّ ما تعيشه سوريا اليوم (خصوصاً لجهة طبيعة وصورة التدخل الدولي) هو في أحد جوانبه الرئيسة نتاج لما نشهده ونعيشه منذ 2003.
يمكن اعتبار أنّ صدور التقرير هو في حد ذاته حدث بريطاني أكثر من كونه عراقياً، لكن ذلك لا يمنع من البناء على خلاصاته التي تمنح لحظة مهمة لإعادة الوقوف مثلاً أمام مصطلحات ينجح البعض راهناً ــ بهزل وبقليل من المسؤولية ــ في تحويلها أمام رأي عام واسع إلى «مصطلحات خشبية» (غزو دولة واحتلالها وتدميرها، لا بل «استعمارها»، ليست مصطلحات خشبية، ولا تسمح بالنظر إلى الفاعل ومعاونيه وكأنهم شركاء مرحلة ما بعد الغزو، ولا حتى شركاء في ملفات أخرى).
من المفترض أن يشكّل تقرير كهذا (وهو ليس فريداً) فرصة يجب أن يُستفاد منها لإعادة قراءة الحروب (بصفتها تواريخ مفصلية) وقراءة الصراعات المشتعلة بين زوايا هذا المشرق العربي، أو أقله فرصة لعدم السقوط في «خطابات الحروب» (الاستعمارية؟) التي ها هي تداعياتها تتراكم فتنتج، بمشاركات محلية من مختلف الأوجه، مفاعيل ضخمة، ليس أقلها تفكيك المجتمعات وشيطنة ماضٍ وحاضر، وحتى مستقبل.
من المفترض أن يشكّل التقرير فرصة لإعادة قراءة حروبنا وصراعاتنا

صحيفة مثل «نيويورك تايمز»، اعتبرت، في افتتاحية لها، أن التقرير لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه بمثابة اتهام لبلير فحسب، بل يجب أن يفتح الباب أمام تقرير مماثل يحاسب إدارة جورج بوش التي «روّجت» لغزو العراق و«باعته زوراً» لبريطانيا والعالم كله. وأشارت الصحيفة في السياق إلى أنه يجب «معرفة كيف يمكن السياسة الوطنية أن تُخترق بالأكاذيب والأيديولوجية». ولعلّ الإشارة إلى مضمون تلك الافتتاحية، تسمح بطرح تساؤل: بعدما ثبّت تقرير شيلكوت كذب بلير، ألا يقدّم ذلك إدانة واضحة لآليات صناعة الحروب (الغربية هنا) وخطاباتها ودور الإعلام في تكريس توجهاتها؟
طبعاً، عقب صدور «تقرير شيلكوت»، خرج بلير في مؤتمر صحافي استمر لأكثر من مئة دقيقة، ليقول أمام الصحافيين: «إذا اختلفتم معي، فلا بأس. لكن من فضلكم، توقفوا عن قول إنني كنت أكذب، أو إنني كان لي دافع غير شريف أو مخادع». وبينما أعلن تحمله كامل المسؤولية «دون استثناء أو عذر»، فقد أقرّ بالإخفاق «في التخطيط الملائم لمرحلة ما بعد الغزو»، مشككاً في الوقت نفسه في واحدة من النتائج الرئيسية للتقرير، وهي أن الخيارات الدبلوماسية لم تستنفد عند اتخاذ قرار الانضمام إلى الغزو الأميركي، على اعتبار أنه واجه قراراً لا يمكن تأجيله.
ووفق التوجه نفسه، أعلن الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، أنه لا يزال مقتنعاً بأن العالم أفضل حالاً من دون صدام حسين. وقال المتحدث باسمه، في بيان، إن بوش «ممتن للغاية لعمل القوات الأميركية والتحالف وتضحياتهم في خلال الحرب على الإرهاب، ولم يكن هناك حليف أكثر صلابة من بريطانيا بقيادة رئيس الوزراء طوني بلير».
مفهوم هنا موقف بوش ومحاولته دعم بلير أو الدفاع عنه، لكن المفارقة ظهرت في حديث رئيس الوزراء البريطاني الحالي، ديفيد كاميرون، الذي حاول ضمناً الدفاع عن بلير، محملاً البرلمانيين في حينه مسؤولية، ومضيفاً في الوقت نفسه: «لا أعتقد أن الولايات المتحدة محقة دائماً حيال كل شيء، لكنني أعتقد أن شراكتنا معها حيوية بالنسبة إلى أمننا القومي».
وفي ردّ غير مباشر على حديث كاميرون، رأى الصحافي في «ذي غارديان» البريطانية، سيمون جينكينز، أنّ «بريطانيا كررت أخطاء العراق في أفغانستان وليبيا، وكانت ستكررها في سوريا لو كان الأمر في يد ديفيد كاميرون». وقال إن غزو العراق كان «حرب الولايات المتحدة» وإن بريطانيا كانت «فقط مشجعة للعدوان الأميركي المتهور»، معتبراً أن «تقرير شيلكوت... يعلمنا درساً نعرفه منذ اليوم الأول من الحرب ولكننا تجاهلناه. ما زلنا نظن أننا نستطيع أن نجد حلاً في سوريا من خلال الإمبريالية الجديدة».
بصرف النظر عن الفروقات بين نظرتي كاميرون والصحافي البريطاني وعن إدخال سوريا هنا، من اللافت أن يُعاد طرح طبيعة العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة، على حساب أوروبا كمنظومة سياسية، لمرة ثانية في غضون أسابيع قليلة، وذلك بعدما كان طغى هذا الجدال على جزء من حملة الاستفتاء البريطاني على مسألة «الخروج من الاتحاد الأوروبي». حتى أنه قبيل الاستفتاء، كرر عديدون توصيف شارل ديغول لبريطانيا بـ«حصان طروادة أميركي» في أوروبا.
من هذه الوجهة، التاريخية، يبدو الترابط بين لندن وواشنطن طبيعياً، وما قام به بلير مفهوم بصورة أو بأخرى. لكن هذا ما يدفع إلى تكرار القول بأنّ صدور التقرير حدث بريطاني، فيما العبر يجب أن يُستفاد منها في مكان آخر من هذا العالم.




كوربن يعتذر!

قدم زعيم "حزب العمال" البريطاني، جيريمي كوربن، اعتذار حزبه عن الحرب في العراق، في تصريح مقتضب ألقاه أول من أمس.
وقال كوربن الذي كان قد صوّت ضد قرار رئيس الوزراء العمالي الأسبق، طوني بلير، بغزو العراق: "أريد اليوم أن اعتذر باسم حزبي عن القرار الكارثي بخوض الحرب". ورأى أنه ينبغي إقامة علاقة أكثر استقلالاً وعلنية مع الولايات المتحدة.