تفيد بيانات منظمة الصحة العالمية ان عدد المدخنين في لبنان يقدّر بنحو مليون و230 ألف مدخن، من أصل نحو 4 ملايين و500 الف مقيم في لبنان (باستثناء اللاجئين السوريين). منذ عام 2000 حتى عام 2015 ازدادت أعداد المدخنين (فوق سن 15 عاما) في لبنان من 29.85% إلى 38.2%، ليحتل لبنان المرتبة الـ 18 عالمياً من أصل 130 دولة. في مقارنة بسيطة بين نسب المدخنين في عام 2012، أي سنة تنفيذ القانون 174 (المتعلق بحظر التدخين في الاماكن العامة المغلقة)، ونسبهم في عام 2015 تظهر زيادة نقطتين مئويتين من 36.2% إلى 38.2%، ما يعني ان اقرار هذا القانون واعلان تنفيذه ثم غض الطرف عن فرض الالتزام به لم يساهم ابدا في كبح نمو اعداد المدخنين، بل حصل العكس تماما.تشير تقديرات المنظمة الى أن نسبة المدخنين بين الذكور في عام 2015 بلغت 45.4%، فيما بلغت بين النساء 31%. كما تشير الإحصاءات إلى ان 30% من الأولاد في لبنان بين عمر 13 و15 يدخنون. وهذه كلها مؤشرات خطيرة.
الوزارة غير قادرة على متابعة سلامة الغذاء والتدخين في الوقت عينه

برنامج الحد من التدخين... بلا موظفين

"كيف وصلنا إلى ما نحن عليه؟ لو طبّق القانون لكانت نسب المدخنين قد إنخفضت 20%"، بحسب نائبة الرئيس ومديرة العلاقات العامة في جمعية "حياة حرة بلا تدخين" رانيا بارود. "لكن وبكل بساطة القانون لم يطبّق، ويوجد رفض لتطبيقه"، تقول بارود.
على الرغم من أن مدير مشروع برنامج الحد ّمن التدخين في وزارة الصحة فادي سنّان لا ينفي الأرقام، إلا أنه يرى أن "تقارير منظمة الصحة العالمية تنقصها الدقة في الكثير من الأحيان لكونها تركز على الأرقام ولم تأخذ بالإعتبار أعداد النازحين السوريين ومعدلات إستهلاكهم للدخان". بحسب سنّان، فإن إحدى أكبر المشاكل التي تحول دون تطبيق القانون تكمن في أن "أسعار الدخان في لبنان زهيدة جداً، إضافة إلى الإنتشار الكبير لظاهرة النارجيلة، وخاصة عند الصغار في السن في ظل تساهل الأهل وسماح المطاعم لمن هم دون 18 عاماً باستهلاكها".
كلمات مثل "مشروع و"برنامج" توحي للوهلة الاولى بأن المسألة ضخمة وجدية وتقوم على أسس واضحة وهيكلية مدروسة وتعمل وفق إستراتيجية بعيدة المدى. الواقع أن "برنامج الحد من التدخين" في وزارة الصحة لا يختلف عن القانون 174. موجود لكنه منسي. مجرد ديكور يصعب النظر إليه من شدة الدخان المحيط به. اذ ان "برنامج الحد من التدخين" محروم أي موازنة والموظفين. أما المضحك/المبكي في الامر فإنه قبل عام 2012، بحسب سنّان، كان للبرنامج ميزانية، بينما بعد عام 2012، أي في عز الحاجة للميزانية لمواكبة تطبيق القانون، إنقطعت الأموال عن البرنامج، كأن الدولة اصدرت القانون وعطلت امكانية تنفيذه في الوقت نفسه.


المطاعم اللبنانية تنفخ على القانون

يؤكد سنّان أن "التزام حظر الدعاية والإعلان والترويج لامس حدود 100%. وكذلك فرض التحذيرات الصحية على علب الدخان. وايضا التزام حظر التدخين في المولات والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصارف... لكن الثغرة الكبيرة تكمن في المطاعم والمقاهي".
يؤكد رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي طوني رامي أن هذا الكلام "صحيح". يرى أن القانون "تعسفي ولم يأخذ في الإعتبار المطبخ اللبناني الذي تُعدّ الشيشة جزءاً منه". يأخذ الحديث مع رامي بعداً درامياً، اذ يشير إلى أن "المطبخ اللبناني يموت بدون النارجيلة". (ماذا عن الذين يموتون بسبب النارجيلة؟).
المسألة برأي رئيس النقابة "أن عدد المقاهي يتخطى 1500 وهي توظف ما لا يقل عن 30000 شخص... نحن لسنا في وارد أن تقتل القطاع بسبب قانون أرادت الجمعيات الأهلية أن تتسلى به، ولم يقرأه النواب".
ما يريده نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي هو "قانون قريب أو مشابه لقانون دبي الذي يبيح التدخين في الملاهي الليلية، ويسمح للمطاعم اللبنانية والشرقية بتقديم الشيشة". ويلفت إلى أن النقابة أعدت إقتراحا لتعديل القانون بالتعاون مع شركات أجنبية ومع محامين ودرسناه مع وزارة السياحة، وحين يقرّ التعديل نلتزم".

مراقبون للغذاء... لا للتدخين

يضع وزير الصحة وائل ابو فاعور المشكلة في إطار "العجز لا التجاهل". يلفت أبو فاعور أنه "ما من عدد كافٍ من المفتشين، ومن توافروا منهم ليسوا مفتشين في وزارة الصحة، بل مفتشون تعاقدنا معهم بالتعاون مع منظمات دولية، وبالتالي الوزارة غير قادرة على متابعة سلامة الغذاء والتدخين في الوقت عينه".
كما في مسرحية الكاتب الإيرلندي الشهير صموئيل بيكيت "في انتظار غودو"، فالجميع بانتظار المراقبين. يشكو أبو فاعور من أنه طرح على مجلس الوزراء منذ سنة توظيف 75 مراقبا ومراقبة عبر مجلس الخدمة المدنية وما زال ينتظر، مشيراً الى أنه حين يتوافر الكادر البشري اللازم ستتصدى الوزارة لمسألة التدخين.
هل المسألة مرتبطة حصراً بأعداد المراقبين؟ ترفض رانيا بارود هذا الأمر. تستغرب كيف أن المراقب الذي يذهب لمراقبة الغذاء في المطاعم غير قادر على مراقبة الهواء؟ بالنسبة لبارود، المشكلة أكبر من مراقبين وكادر بشري وترتبط بعدم الرغبة بتطبيق القانون. تستشهد بالتجارب السابقة لتثبت وجهة نظرها. تقول بارود إن "الجمعيات أدت واجبها وما زالت في صلب المعركة"، وتكشف "أننا وصلنا الى مرحلة أنشأنا فيها شرطة مدنية مؤلفة من جميع الجمعيات المهتمة بمتابعة الموضوع، وكان إنتشارنا ونطاق عملنا من طرابلس الى صور... ننزل كمتطوعين الى الأماكن العامة يومياً نراقب أين توجد مخالفات، وننقل المخالفات الى الوزارات المعنية. على أيام الوزراء مروان شربل وفادي عبود ونقولا نحاس كانت نسبة التطبيق تقارب 90% وجرى تسطير 8000 محضر ضبط".
سواء كان عدم تطبيق القانون 174 بفعالية يعود إلى العجز، أم هو نتاج سياسة ممنهجة ومتعمدة، فإن الأكيد أن مواد القانون ليست أكثر من حبر على ورق يحرق يومياً مع فحم النارجيلة والسجائر وصراخ الجمعيات يخفت امام صوت المدخنين وهم ينادون "نارة يا ولد"!