اللغز الذي لفّ قرار محافظ بيروت زياد شبيب منذ نحو أسبوع بتجميد الأشغال على العقارات الواقعة على شاطئ الرملة البيضاء، لم تتضح فصول قصته الحقيقية بعد. عشرات علامات الاستفهام تطرحها وزارة الداخلية كما المستثمرون حول خلفية هذا القرار المفاجئ، ولا سيما أن شبيب نفسه لم يبد حماسة للحفاظ على الأملاك البحرية العمومية عقب صفقة الـ120 مليون دولار، حين أبرمت بلدية بيروت عقداً لشراء ثلاثة عقارات تشكل جزءاً من مسبح الرملة البيضاء الشعبي بمبلغ خيالي. واللافت أن الدائرة المحيطة برئيس الحكومة السابق سعد الحريري تتداول رواية تفنّد فيها ما حصل، وتردّه إلى خلاف عائلي بين الأخوين، سعد وفهد الحريري، أفضى إلى ضغط الأول باتجاه إيقاف صفقة أخيه الأخيرة، فكان قرار المحافظ. والرواية تقول الآتي: قبل نحو 20 عاماً افتتح رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري مشروعه السياسي بسلسلة تعديات على الأملاك العامة والبحرية، بدءاً بسوليدير مروراً بنحو 200 ألف متر على واجهة بيروت البحرية. يومها كان محافظ بيروت نقولا سابا يتولى إنجاز القرارات المطلوبة. وهو الذي سجن لمدة شهرين بشبهة تزوير مستندات ومنح ترخيص لأحد رجال الأعمال بهدف إقامة مطعم ومشروع سياحي فوق البحر في ما عرف بقضية "بيت المحترف اللبناني"، وهو ما يحمل اسم la plage وبيت المحترف اللبناني حالياً. لاحقاً، عندما تقاسم أبناء الحريري إرث والدهم، كان الجزء اليسير منه عقارات بحرية باهظة الثمن، خصوصاً تلك التي يمكن الاستثمار فوقها. عليه، قايض سعد الحريري أسهم "سعودي أوجيه" بمجمل العقارات في لبنان، فبات وحده مالك الشركة، فيما طوّب أخواه فهد وهند العقارات باسميهما. وهو ما برز بوضوح من خلال قضية العقارات الثلاثة على الرملة البيضاء التي تشكل المسبح الشعبي والعقارات الأربعة التي اشتراها أخيراً رجل الأعمال محمد سميح غدار، وتشكل امتداداً للمسبح الشعبي. يومها، وفي إطار تقاسم الإرث، قُدِّرت "الدالية" بسعر مرتفع جداً، على اعتبار أن مرفأ الصيادين ضمنها. ومع ذلك، بقي على سعد الحريري دَين لفهد وهند يقارب 400 مليون دولار كي يساوي بين ما أخذه وما حصل عليه أخوته، أي الفرق بين حجم "سعودي أوجيه" ودخلها وثمن أسهمها من جهة، والعقارات من جهة أخرى. وقضى الاتفاق أن يقسَّط هذا المبلغ على دفعات، 40 مليون دولار في كل دفعة. إلا أن سعد الغارق في الديون تجاهل الدفعات، فما كان من شقيقه إلا مطالبته بها، بطريقة رسمية. تفاقمت الأزمة بين الشقيقين في عهد وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي الذي لزّم مرفأ الصيادين لتوسيعه، فأثار الأمر غضب فهد، على اعتبار أن أخاه، عند تسوية الإرث، منحه الدالية على أساس أن المرفأ هو جزء من عقار الدالية، وقُدِّرَت قيمته على هذا الأساس.
لكل عهد حريريّ محافظه، بدءاً بنقولا سابا في عام 1998 وصولاً إلى شبيب اليوم

بدأت تتراكم المشكلات الواحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى تساهل فهد في بيع عقاراته على الواجهة البحرية لبيروت (أجزاء من الشاطئ العام) التي تساوي مساحتها أكثر من 200 ألف متر مربع. و"التساهل" في معجم سعد الحريري هو بيع هذه الأراضي لـ"الغرباء"، إذ إن شراء بلدية بيروت لأرض المسبح الشعبي "شرعي وحلال" ويبقيها ضمن "البيت الطائفي" الواحد، لكن بيع العقارات الأربعة لغدار يمهّد لتسليم البحر البيروتي لأبناء طائفة أخرى، وهو ما لا قدرة لسعد على تحمّله سياسياً. لذلك، كان لا بدّ له من التصرف، إذ يقول مقربون منه إن قرار وقف الأشغال على طول شاطئ الرملة البيضاء الذي أصدره محافظ بيروت زياد شبيب، كان بالتنسيق معه. وهو ما يفسّر عدم شمول قرار المحافظ عقارات الوزيرين السابقين محمد الصفدي ووليد الداعوق، علماً أن المحافظ يقول إن قراره شمل فقط العقارات موضوع المشكلة، وهو غير دقيق في كلامه، إذ شمل قراره عقارات غير محاذية للشاطئ كعقارات آل آغا المجاورة للـ"إيدن روك". مع الإشارة إلى أن رجل الأعمال وسام عاشور، صاحب مشروع الـ"إيدن روك"، أعد عريضة تحمل تواقيع غالبية مالكي العقارات المشمولة بقرار شبيب، لتقديم طعن في القرار.
وكان شبيب، وفق المصادر، قد التقى الحريري عقب إصداره للقرار، ملمّحة إلى حصول تواصل بينهما قبيل ذلك. فشبيب يحتاج إلى غطاء من مرجعياته الرسمية والطائفية، من الرئيس الحريري إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى المطران إلياس عودة والوزير طارق متري. عودة ومتري بعيدان عن عقارات الواجهة البحرية. كذلك، لم يكن المشنوق على علم بما حصل، إذ طلب من شبيب تقريراً خطياً بالأسباب التي دفعته إلى اتخاذ قرار وقف الأشغال. أما راعي قرار المحافظ، فلم يكن سوى الرئيس الحريري. وتستدل المصادر على ذلك بالقول إن شبيب لم يجرؤ على وقف صفقة عقارات المسبح الشعبي في عهد المجلس البلدي السابق لبيروت، رغم ما فيها من تبديد للمال العام (قررت البلدية في نيسان الماضي شراء 3 عقارات من أراضي المسبح الشعبي في الرملة البيضاء، بـ120 مليون دولار، رغم أن القانون يمنع إقامة أي منشأة أو بناء فوق هذه العقارات). لكن المحافظ نفسه قرر وقف الأشغال في جميع عقارات الرملة البيضاء، ومنها عقارات المسبح الشعبي التي اكتفى قبل أشهر بلعب دور ساعي البريد الذي ينقل مستندات شرائها. ومن ملّكه هذه الجرأة، ليس سوى رئيس تيار المستقبل.