بصدمة وباتصالات مكثفة، استقبلت الحكومة المصرية، يوم أمس، حكم محكمة القضاء الإداري القاضي بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين رئيس وزرائها، شريف إسماعيل، ووليّ وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، مطلع نيسان الماضي، ما يعني إلغاء نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وهي الاتفاقية التي لم تعرض على مجلس النواب حتى الآن، رغم موافقة «مجلس الشورى السعودي» عليها بعد أيام من توقيعها.هذا القرار جاء بعد 75 يوماً من توقيع الاتفاقية، لكن الحكومة كانت واثقة ثقة زائدة بمصير القضية، باعتبار أن الاتفاقية عمل من أعمال السيادة التي لا يجوز النظر فيها أمام القضاء الإداري. وكانت تستند عبر «هيئة قضايا الدولة» إلى عدم اختصاص المحكمة ولائياً في ذلك، لكن المحكمة قضت برفض الدفع بعدم اختصاصها وأقرت ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود المتضمنة التنازل عن السيادة على تيران وصنافير، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم المصري وحدود الدولة، فضلاً عن استمرار السيادة عليهما وحظر تغيير وصفهما بأي حال لمصلحة أي دولة أخرى.
ولا يتضح بعد كيف ستتصرف الرئاسة أو الحكومة مع هذا القرار، خاصة أن علامات الارتباك لم تستطع إخفاءها، فيما علمت «الأخبار» أن وفداً مصرياً سيسافر إلى السعودية سريعاً من أجل عرض الجانب القانوني على الحكومة السعودية والتشديد على قيام الحكومة بالطعن بحكم القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا (أعلى جهة قضائية)، كذلك سيشدد الوفد على أن القاهرة ستقدم المستندات التي تدعم وجهة النظر الرسمية بأن الجزر سعودية، علماً بأن «هيئة قضايا الدولة» أعلنت اعتزامها الطعن بالحكم بعدما صدر بساعات.
كذلك أجرى رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، اتصالات عاجلة بوزير الخارجية والمسؤولين القانونيين عن الملف لبحث ما يمكن عمله في خلال الأيام المقبلة، خاصة مع حالة الفرحة التي انتابت الرأي العام. أما مؤسسة الرئاسة، فالتزمت الصمت ولم يصدر عنها أي تعقيب، علماً بأن شيوخ القضاة في «مجلس الدولة» يرون أن الحكم سيجري إلغاؤه أمام «العليا»، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت كما سيؤجل عرض الاتفاقية على البرلمان، حيث ثار جدل قانوني حول دستورية مناقشة البرلمان أصلاً للاتفاقية بعد صدور حكم بإلغائها من «القضاء الإداري».
في السياق، قالت محكمة القضاء الإداري، ضمن حيثيات الحكم، إن «أعمال السيادة ليست نظرية جامدة، بل تتسم بالمرونة وتتناسب عكسياً مع الحرية والديموقراطية، فيتسع نطاقها في النظم الديكتاتورية ويضيق كلما ارتقت الدولة في مدارج الديموقراطية وفقاً لما استقر في وجدان القضاء عبر حكم سابق صادر عن المحكمة الإدارية العليا بالإضافة إلى حظر الدستور في المادة 97 منه تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء»، معتبرة أن الأصل هو «اختصاص القضاء في النظر في جميع الطعون التي توجه ضد أي عمل أو قرار يصدر عن جهة الإدارة ولا يخرج عن رقابته إلا ما يصدق عليه من هذه الأعمال أو القرارات أنه من أعمال السيادة».
تراهن الحكومة على الطعن بحكم القضاء الإداري أمام المحكمة العليا

وأضاف الحكم: «أعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم في نطاق وظيفتها السياسية... الدعوى مسألة قانونية خالصة تدور حول صحيح تطبيق نص المادة 151 من الدستور ومدى مشروعية التوقيع على الاتفاق المطعون به بما يتضمنه من التنازل عن الجزيرتين المذكورتين، وذلك في ضوء النصوص القانونية واللائحية والاتفاقات التي تحكم وضعهما والظروف التاريخية والواقعية المحيطة بهما». وجاء فيه أيضاً أن «ما سيرد تفصيله ويتعلق بأرض الوطن والسيادة الثابتة عليه هو شأن كل مواطن في مصر، والشعب وحده هو صاحب السيادة يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية طبقاً لنص المادة 4 من الدستور؛ من ثم فإن التنازل عن جزء من أرض هذا الوطن أو النيل من سيادته ليس قراراً ضمن طائفة أعمال السيادة والنأي به بعيداً عن رقابة القضاء».
اللافت أن المحكمة استندت إلى أن الدستور نص في الفقرة الأخيرة من المادة (151) التي حظرت على السلطة التنفيذية كل عمل من أعمال إبرام المعاهدات الدولية بما فيها التوقيع عليها إذا كانت المعاهدة «تخالف الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة»، وذلك حتى لا ترتبط الدولة باتفاقات من هذا النوع، مشيرة إلى أن هذا حظر وقائي ومقصود ليجنب الدولة والمواطنين مخاطر إبرام مثل هذه الاتفاقات، بل هو «حظر مطلق ولا استثناء فيه ولا مجال للتحلل منه تحت أي ظروف أو مبررات، وهو ما يوجب على السلطة التنفيذية قبل التوقيع على أي اتفاقية أن تدرسها دراسة دقيقة وافية للتأكد من خلوها من القيدين».
وردت «القضاء الإداري» على الدفع باختصاص مجلس النواب بالموافقة على الاتفاقية وليس القضاء، قائلة إن «الدستور منح البرلمان حق الموافقة على المعاهدات في الحالات التي يجوز له فيها ذلك وفقاً للدستور، وبما لا يتعارض مع نظر الدعوة أمام محاكم مجلس الدولة، لذلك فإن رئيس مجلس النواب لا صفة له في الدعوى». وتابعت المحكمة: «مصر طبقت القوانين واللوائح المصرية على الجزيرتين ومنها اللوائح الخاصة بالحجر الصحي كلائحة كيفية سير مصلحة الصحة الصادرة في 3 يناير (كانون الثاني) 1881، كما طبقت على الجزيرتين اللائحة الجمركية الصادرة في 2 أبريل (نيسان) 1884، فضلاً عن الاتفاقية الموقع عليها والمتبادلة في أول أكتوبر (تشرين الأول) 1906 بين مندوب الدولة العلية التركية ومندوبي الخديوية الجليلة المصرية، ما يثبت أن الجزيرتين مصريتان».
وواصلت الحديث المطول في حكمها: «تضمن كتاب أطلس ابتدائي للدنيا لاستعماله في المدارس المصرية المطبوع في مصلحة المساحة والمناجم عام 1922 والمعاد طبعه عام 1937، أن تيران وصنافير ضمن الأراضي المصرية، والثابت من كتاب المدير العام لمصلحة الحدود بالنيابة بتاريخ 1943 إلى مدير مكتب وزير الدفاع الوطني والخريطة المرفقة به رداً على طلب عدم عرقلة تحركات القوات البريطانية التي ستجري مناورة حرب في خليج العقبة، وتضمنت الخريطة المرفقة تحديد مكان المناورات في مضيق تيران وعلى جزء من جزيرة تيران، وهو ما يثبت أن القوات البريطانية أخطرت مصر صاحبة السيادة على تلك المنطقة ومنها تيران قبل إجراء المناورة»، مؤكدة استنادها إلى «قرارات حكومية مختلفة كالصادرة عن وزارة الداخلية ووزارة البيئة ومجلس الوزراء بالتعامل على الجزيرتين سواء بإنشاء نقطة شرطة أو اعتبارها محمية طبيعية».
واختتمت حيثياتها بتأكيد أن الجزيرتين أرض مصرية من ضمن الإقليم البري لمصر، وتقعان ضمن حدود الدولة، وقد «مارست مصر السيادة على الجزيرتين بصفة دائمة ومستمرة، وتخضع الجزيرتان للقوانين واللوائح المصرية... ترسيم الحدود البحرية مع أي دولة لا يتصل إقليمها البري بالإقليم البري المصري لا يجوز أن يمتد أثره إلى جزء من الإقليم البري المصري الذي يشمل جزيرتي تيران وصنافير».