فصل جديد من الحملة الإعلامية والقضائية المنظمة تستهدف البنية الاقتصادية للجالية اللبنانية في الباراغواي، التي تعرضت منذ أحداث الحادي عشر من أيلول لجملة استهدافات، أهمها اتهام عدد من رجال الاعمال اللبنانيين بالانتماء الى حزب الله وتجيير نجاحاتهم الاقتصادية لمصلحة المقاومة اللبنانية.الحملة الجديدة بدت مرتبطة بالإجراءات الأميركية التي فرضت مؤخراً ضد ما سمّته البيئة الحاضنة لحزب الله والتي بدأ العمل بها في الداخل اللبناني وسرعان ما هزت ارتداداتها البنية الاقتصادية للمغتربين اللبنانيين، خصوصاً في المناطق التي يحوزون فيها نفوذاً تجارياً، كمنطقة المثلث الحدودي التي تربط بين البرازيل والباراغواي والارجنتين.
فالمنطقة التي سجلت في السابق سلسلة استهدافات أدت الى ملاحقة عدد من رجال الاعمال اللبنانيين واعتقالهم على خلفيات سياسية، دخلت مرحلة جديدة عنوانها محاصرة النشاط الاقتصادي لحزب الله وملاحقة عدد من الشركات التجارية التي تنشط في السوق الحرة داخل مدينة سيداد دل إستي في الباراغواي باعتبارها داعمة للحزب، كما تزعم التقارير الأمنية المحلية التي صاغت مرافعة مطوّلة أمام الكونغرس الأميركي تولاها إيمانويل أتوليناي، أستاذ العلوم السياسية، والعضو في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن. مطالعة أتوليناي الحاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة العبرية في تل أبيب والمحاضر في مركز أكسفورد للغة العبرية والدراسات اليهودية، استندت الى تحريات أمنية زعمت وجود شبكة اقتصادية على صلة وثيقة بحزب الله، مدرجةً أسماء رجال أعمال لبنانيين وأجانب من دون تقديم تفاصيل أو إثباتات عن حقيقة هذه النشاطات. اللافت في ما أطلق عليه الموقع الالكتروني للكونغرس الأميركي "شهادة الخبير السياسي إيمانويل أتوليناي" هو التعرض للمرة الاولى للنشاط الإعلامي لقناتي "الميادين" و"المنار" في أميركا اللاتينية، وهو ما وضعته في خانة الترويج الإعلامي لحزب الله. التقرير استند إلى المساحات الإعلامية الواسعة التي تفردها "الميادين" للتحدث عن الشؤون اللاتينية، وكان آخرها إطلاق موقع إخباري ناطق باللغة الإسبانية.
شهادة أتوليناي التي ألقاها أمام الكونغرس الأميركي استعرضت بإسهاب ما سمّته التأثير الإعلامي الذي برز من خلال حجم التعاطف الاغترابي مع حزب الله. فالتقرير المؤلف من اثنتين وثلاثين صفحة أفرد في صفحتيه الخامسة والسادسة عشرة مساحة للحديث عن الخطر الإعلامي الذي يمثله الصحافيان علي فرحات وياسين حجازي، بوصفهما ناشطين في دائرة حزب الله، ويحاولان الترويج لمصالحه في المنطقة، كذلك استعرض التقرير التفاعل الاغترابي مع المقاومة اللبنانية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مرفقاً اتهاماته بعدد من الصور التي نشرها بعض المقيمين العرب لشهداء المقاومة وللأمين العام السيد حسن نصرالله .
سيتم إنشاء شبكات تجسس للوشاية بمن يشتبه في تعاطفه مع حزب الله

هذه الشهادة رافقتها حملة إعلامية واسعة تولتها قنوات وصحف محلية حذرت من تنامي ظاهرة التأييد لحزب الله في أميركا اللاتينية على وجه العموم، والمثلث الحدودي على وجه الخصوص، متحدثة عن تورط عشرات الشركات التجارية في ما سمّته رعاية الاٍرهاب المتمثل في حزب الله اللبناني. مصادر خاصة سرّبت لـ"الأخبار" أن هذه الحملة ستطال في المستقبل القريب عدداً من الشركات التي قد يفوق عددها مئة شركة، يشرف على غالبيتها رجال أعمال لبنانيون، في محاولة للضغط على البيئة المؤيدة للمقاومة اللبنانية وقطع دابرأي تعاطف أو تأييد لها، حتى ولو انحصر في الإطار المعنوي.
وفي إجراء أشمل، فإن تضمين التقرير لبعض المنشورات على شبكة التواصل الاجتماعي يُعدّ رسالة ابتزاز واضحة لكل المقيمين في المنطقة لمراجعة حساباتهم في آرائهم السياسية التي قد تضعهم في دائرة الشبهات، وعليه تكون المهمة قد اكتملت في تطويق كلّ من يبدي تعاطفاً أو تأييداً، حتى لو بقي في دائرة التعبير عن الرأي.
مصادر «الأخبار» كشفت عن خطة عمل ستتولاها بعض الأجنحة الأمنية التي تربطها علاقات وثيقة مع سفارات أجنبية وعربية في أسونسيون تعتمد على إثارة الرعب في المنطقة، من خلال تسريب معلومات إلى وسائل إعلام محلية تساعد في إنشاء شبكة تجسس ينخرط فيها مقيمون لبنانيون للوشاية بمن يشتبه في تعاطفه أو تأييده لحزب الله، وهي تعتمد على مسح أجرته سفارة عربية وعقدت على إثره سلسلة اجتماعات شملت عدداً من الشخصيات الأمنية والسياسية.
وتشير المصادر الخاصة الى أن لهذه الحملة المنظمة بعداً سياسياً داخلياً يتوافق مع الرغبة الخارجية، وخصوصاً الأميركية التي تسعى الى إنشاء حالة ضغط شعبية تستهدف حزب الله. ففي الحسابات المحلية، يبرز الواقع الانتخابي الصعب للطبقة الحاكمة في الباراغواي كسبب رئيسي في إشعال هذا الملف، حيث يمكن تأمين مكسبين سياسيين مهمين، الاول بتر أيّ محاولة لدعم مرشحين معارضين من قبل بعض رجال الأعمال اللبنانيين الذين سيسعون الى تجنّب أيّ نشاط يضرّ بمصالحهم، بل دفعهم قسراً الى دعم الادارة الحالية طلباً للحماية، أما المكسب الثاني فيتمثل في تحوير الرأي العام المعترض أصلاً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وتوجيهه إلى قضايا تنسيه مطالبه المعيشية. قراءة تبدو منطقية حيث إن الشاهد إيمانويل أتوليناي لا يعدو كونه ناقلاً لتقرير صاغته أياد محلية وتلقفته مؤسسات خارجية تنتظر بفارغ الصبر للانقضاض على الوجه المشرق للبنان في الخارج.