تتفاعل قضية القانون الأميركي بفرض عقوبات مالية على حزب الله، ليس لجهة آلية التطبيق بين المصارف والمؤسسات التي وردت في اللائحة الأميركية فحسب، بل أيضاً لجهة التداعيات السياسية التي بدأت تفرض نفسها داخلياً. في وقت تبدو فيه الخشية كبيرة من أن يكون القانون الأميركي حلقة من حلقات التضييق الدولي على الحزب.وتتحدث مصادر سياسية مطلعة عن خطورة فرض العقوبات على حزب الله ومؤسساته لجهة تأثيراتها بالوضع العام للحزب وجمهوره، واحتمال تأثر هذا الجمهور بهذه العقوبات بعدما تحولت أمراً واقعاً بفعل مباشرة المصارف عملياً تنفيذ القانون. ويراهن فارضو العقوبات على أن يكون أثرها في الحزب مماثلاً للأثر الذي خلّفته العقوبات على اقتصادات دول كالعراق وليبيا وإيران، وأنهكتها بشكل كامل. رغم أن طبيعة حزب الله المالية مختلفة جوهرياً عن اقتصاد دولة خاضعة للحصار. وتلفت إلى أن ثمة اشارات يمكن أن تكون مقلقة للحزب تتعلق بمدى تقبل جزء من بيئته وجمهوره لهذه الإجراءات التي لم تعد عناوين مبهمة. في وقت ترفض فيه أوساط على بيّنة من مواقف الحزب أي كلام من هذا النوع، مؤكدة أن جمهوره سيلتف أكثر فأكثر حوله، رغم كل الإجراءات المتخذة.
ثغرتان يمكن أن ينفذ منهما الحزب للالتفاف على القانون الأميركي

لكن المصادر المطلعة تشير إلى ثغرتين يمكن أن ينفذ منهما الحزب في خضم هذه الإجراءات، الأولى أن إيران التي سبق أن عانت من هذه العقوبات ستكون عنصراً مساهماً في تدوير الزوايا وفي مساعدته على الالتفاف عليها، عطفاً على المساهمة المباشرة في التخفيف من ضغوطه المالية. وهنا تطرح أسئلة من نوع تعميم التعامل النقدي المباشر في أزمة كبرى من هذا النوع، ومدى ملاءمة هذا الشكل من أشكال التعامل للإجراءات الدولية ومكافحة تبييض الأموال وغيرها من الوسائل التي يمكن أن تكون تحت الرقابة المباشرة للأجهزة الدولية المعنية. علماً أن الحزب حالياً في مرحلة تكيف مع التطبيق العملي للمصارف، وهو على بقائه بعيداً عن تداول الملف إعلامياً، يعكف على تلمس الإجراءات الجديدة وكيفية التعامل معها.
ثانياً، إن الدول الأوروبية، كما دول الشرق الأقصى، لم تحذ حذو الولايات المتحدة ودول الخليج في فرض العقوبات نفسها، ولم تلجأ إلى أي قيود مالية حتى الساعة، ما يعني بقاء هامش معين قد يكون عنصراً مساعداً في عدم تضييق الخناق على حزب الله.
لكن المشكلة الأساسية التي تكمن في مقاربة هذه العقوبات، تتعدى الإطار المالي على أهميته وانعكاساته المباشرة، لأنها قد لا تكون معزولة عن إطار سياسي دولي عام يمكن أن نشهد تأثيراته المباشرة على حزب الله. فإذا كان وصف الإجراءات بأنها الوجه الآخر للقرار 1559، جاء ليعكس خطورة هذا القانون ومدى الجدية في التعامل معه وتنفيذه بحذافيره، فإن التطور الخطر يكمن أيضاً في احتمال نقل المواجهة مع الحزب إلى مجال أوسع عبر مجلس الأمن، والذهاب إلى المطالبة بتطبيق البند المتعلق بالدعوة إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وجمع سلاحها.
وتكمن الخشية في أن يُلجأ إلى هذا النوع من الضغط في المرحلة التي يواجه فيها الحزب تحديات مالية واستحقاقات تتعلق بوجوده في سوريا. علماً أن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان بدأ قبل أسبوع متابعة تنفيذ القرار 1559 خلفاً للموفد الدولي تيري رود لارسن، بناءً على طلب من بان كي مون حتى نهاية السنة الجارية.
وبحسب هذه المصادر، فإن القانون الأميركي الذي تدحرج يوماً بعد آخر في اتجاه تطبيقه قد يكون مقدمة لخطوات أخرى بالمعنى السياسي وتحمل ضغوطاً أكثر حدة وفاعلية تستهدف تطويق حزب الله في شكل جدي. ومع الاعتراف بخطورة مثل هذه الخطوة وإمكان ارتدادها على الساحة الداخلية، في وقت يكرر فيه المسؤولون الأميركيون حرصهم على الاستقرار الداخلي، إلا أن مجال التوسع في إيجاد سبل لتطويق حزب الله، قد تعيد القرار 1559 إلى الواجهة من باب جمع سلاح الميليشيات. وهنا تكمن حساسية هذه النقطة على مستوى دولي وإمكان تجاوب دول معنية بالوضع اللبناني مع أي إجراءات واتجاهات من هذا النوع. أما على المستوى الداخلي، فإن السؤال عن كيفية تعامل القوى اللبنانية داخلياً، مع أي اتجاهات تصب في هذا الإطار، وانعكاس ذلك على استقرار الوضع، في وقت يشهد تطبيعاً لافتاً في اتجاه تهدئة العلاقات المحلية وسحب فتيل التوتر الداخلي. علماً أن القوى المناوئة لحزب الله تحاول علناً على الأقل عدم صبّ الزيت على النار في موضوع العقوبات والتخفيف من اللغة الاستفزازية في مقاربته.