منذ نحو ثلاثة أشهر، اتخذ مجلس الوزراء القرار الرقم 1 لمعالجة أزمة النفايات، التي "اندلعت" في تموز الماضي. تقوم "المعالجة" على ردم البحر عبر إنشاء مطمرين (بدلا من مطمر الناعمة) على شاطئه. واحد عند مصبّ نهر الغدير (الكوستابرافا) وآخر عند الاملاك البحرية في برج حمود، على أن "تُدفن" النفايات التي تراكمت لأشهر في الشوارع في مطمر الناعمة الذي أُعيد فتحه لمدة شهرين فقط. وكلّف القرار، مرةً جديدة، مجلس الإنماء والإعمار إعداد المناقصات المطلوبة خلال شهرين لتلزيم شركات تنشئ المطمرين وأعمال الجمع والكنس والنقل والفرز والمعالجة والطمر، فضلا عن مناقصة الإشراف على كل من هذه الأعمال، على أن تستمر شركتا سوكلين وسوكومي في تنفيذ أعمالهما حتى انتهاء المناقصات. ووافق مجلس الوزراء في قراره على طلب بلدية الشويفات وبلديتي برج حمود والجديدة - البوشرية استثمار الأراضي التي ستنتج عن الردم، وكلّف وزير الداخلية والبلديات تشكيل لجنة لتراقب آليات تنفيذ القرار. في ما خصّ "الحل المُستدام"، جرى التأكيد على "الإجراءات التنفيذية لتلزيم مشاريع تحويل النفايات الى طاقة" و"البدء بتطبيق مراحل الفرز من المصدر" وحق البلديات او اتحادات البلديات او المناطق الخدماتية بأن تدير نفاياتها على مسؤوليتها إذا أرادت بموافقة اللجنة المذكورة أعلاه". كذلك، نصّ القرار على اعداد مشروع قانون لحوافز تعطى للبلديات التي تقع في نطاقها المطامر ومعامل الفرز والمعالجة بقيمة 8 ملايين دولار لكل منها، تُدفع من حساب البلديات المُستفيدة من معالجة وطمر نفاياتها في الصندوق البلدي المستقل. لم يحدّد القرار مركزا لمعالجة نفايات منطقتي الشوف وعاليه، وقال إنه "سيحدَّد مركز للقضائين لاحقا". وخصّص مبلغ 50 مليون دولار لـ "تغطية مشاريع إنمائية" في البلدات المحيطة بكل من مطمر قضاءي عاليه والشوف، مصب نهر الغدير، فضلا عن 25 مليون دولار لمشاريع انمائية في نطاق بلدية برج حمود، و25 مليون دولار لمشروع طريق مدخل المتن الشمالي لحل أزمة السير.حتى الآن لم يُنه مجلس الإنماء والإعمار المناقصات. لم يُباشَر تنفيذ بنود الحل المستدام. لم يُحدّد بعد المركز المؤقت لقضاءي الشوف وعاليه. لم تُصرَف الحوافز للبلديات. إجراءٌ وحيد يجري تنفيذه حاليا وهو تكديس النفايات في المركزين المؤقتين (الباركينغ) في الكوستابرافا وبرج حمّود، والإعداد لردم البحر في المنطقتين لاستحداث عقارات جديدة قابلة للاستثمار.

مخالفات بالجملة

ازاء مخاطر تنفيذ هذا القرار، تقدّمت جمعية "الإنماء الإجتماعي والثقافي"، بتاريخ 4/5/2016، بمراجعة امام مجلس شورى الدولة ضدّ رئاسة مجلس الوزراء، تطلب فيها وقف القرار المذكور، لمخالفته جملة من قوانين واتفاقيات الحماية البيئية (للاطلاع على النص الحرفي للمراجعة أنقر الرابط أسفل المقال).
"الأسباب المبرّرة" لإبطال القرار، بحسب نص مراجعة الجمعية، تتمثّل في أن القرار تشوبه جملة من المخالفات للقوانين والاتفاقيات الدولية المرعية الإجراء "تؤدي الى ابطاله لعلّة تجاوز حدّ السلطة". أبرز هذه المخالفات: عدم الاستحصال على الموافقات المسبقة من وزارة البيئة وفق ما تنص القوانين (كالقانون الرقم 444، والمرسوم الرقم 8213 الذي حدّد الأصول الالزامية الواجب اتباعها من أجل تقييم الآثار البيئية المحتملة لأي اقتراح مشروع (..) كذلك فرض المرسوم الرقم 8633 تاريخ 7/8/2012 بالصيغة الحكمية تقييم الأثر البيئي عند إنشاء مراكز لادارة ومعالجة والتخلّص من النفايات الصلبة على أنواعها، واعتبر في الملحق الـ 3 من المناطق الحساسة بيئيا الشواطئ البحرية ومجاري الأنهر والينابيع بحيث يكون من المحظور إنشاء مطمر في منطقة حسّاسة بيئيا.
يحظر القانون إنشاء مطمر في منطقة حسّاسة بيئيا

تستند المراجعة في هذا الصدد الى اجتهاد مجلس الشورى "الذي كان حريصا على التحقق من التزام الادارة بشرط تقييم الأثر البيئي عند إنشاء مطمر نفايات"، مُستذكرة بعضا من الاحكام الصادرة من المجلس في هذا الصدد، كما تشير المراجعة الى مخالفة القرار مبدأ حماية البيئة البحرية، "إذ إن الأملاك البحرية غير صالحة بطبيعتها أن تكون مكانا لطمر النفايات، بل على العكس، من واجب مجلس الوزراء اتخاذ كافة التدابير لضمان نظافة الشاطئ والحفاظ على البيئة البحرية". وأضافت المراجعة في هذا الصدد أن مجلس شورى الدولة "قضى برفع حماية الأملاك العامة، ولا سيما الأملاك العامة البحرية الى مرتبة الحماية الدستورية (القرار 242/2014/ سلطانة فرنجية ورفاقها-الدولة/وزارة الداخلية). وخلصت الى أن "طمر النفايات في منطقة الشاطئ أو تحويل هذا الشاطئ الى مكب للنفايات يخالف مبدأ الحماية الدستورية".
كذلك، وبحسب مراجعة الجمعية، فإن القرار الحكومي يخالف كل من معاهدة "بازل" المتعلقة بالتحكّم في حركة النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلّص منها ومخالفة اتفاقية حماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط، ومخالفة بروتوكول حماية البحر المتوسط من التلوث من مصادر برية ومخالفة بروتوكول الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط.

"تحوير السلطة"

تحت خانة "الأسباب المبررة لإبطال القرار والناجمة عن تحوير السلطة"، تُذكّر المراجعة بقرار ديوان المحاسبة المتخذ في 30/3/1999 الذي يرى فيه أن كافة القرارات التي تكلّف بها مجلس الانماء والاعمار للقيام بها في ما خص العقود مع شركتي سوكلين وسوكومي باطلة. وتُذكّر المراجعة بأن مجلس الانماء والإعمار أقدم منذ عام 1994 الى التعاقد مع الشركتين "وكان هاجسه ضمان استمرار التعاقد معها".
تنطلق الجمعية من هذه النقطة لتطعن في إعادة تكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد المناقصات المتعلّقة بملف النفايات وتقول: "وما يؤكد تحوير السلطة لمصلحة شركة سوكلين أن قرار مجلس الوزراء المطعون فيه قد ألزم مجلس الانماء والاعمار اطلاق مناقصة جديدة خلال مهلة شهرين وهي مهلة شارفت على الانتهاء، ولم نر معالم هذه المناقصة التي إذا اجريت فلن نجد من يشترك فيها لاقتناع الجميع بعدم جدية مجلس الانماء والاعمار في ارساء المناقصة على طرف غير الشركات المتعاقد معها حاليا".

الصفة والمصلحة

تخلص المراجعة الى ان على مجلس شورى الدولة ان يقرر وقف التنفيذ بناء على طلب صريح من المستدعي "إذا تبين له من ملف الدعوى أن التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضررا بالغا"، مشيرة الى ان "الضرر البالغ الناجم عن القرار يتجلى بأن الشروع بطمر النفايات في البحر سيكون له آثار بيئية ضارة يصعب إصلاحها"، فهل تملك الجمعية الصفة والمصلحة؟
تقول رئيسة الجمعية لمى ملاك لـ "الأخبار"، إن "الجمعيّة تعنى بالشؤون البيئية وتسعى مع الجهات العامّة والخاصّة إلى الحفاظ على البيئة ومنع التعديات الحاصلة عليها، وهي أهداف منصوص عليها في بيان العلم والخبر الخاصّ بالجمعية. نحن نستوفي شروط الصفة والمصلحة للطعن بالقرار وأي كلام عن انتفاء الصفة نضعه في خانة المحاولات الهادفة إلى تمييع القضية وتشريع التجاوزات البيئية الحاصلة". هذا الكلام يتوافق وما يقوله محامي الجمعية كريم قبيسي، إذ يُشير الى "أن اجتهادات مجلس شورى الدولة أقرت باعتبار الجمعيات المعنية بالبيئة جهة تملك الصفة للطعن في قرارات تتعلّق بالتلوث وبالحماية البيئية". هل تتوقعون تجاوبا من قبل المجلس؟ يُجيب قبيسي: "إذا أراد المجلس تطبيق القانون، فبالطبع سيطعن المجلس بالقرار".
يجري الحديث عن محاولات ضغط تُمارس على المجلس تجلّت بطلب رئيسة الغرفة الثانية القاضية دعد شديد أخذ الملف من القاضي المُقرّر. تردّ القاضية شديد في اتصال مع "الأخبار" على هذا الأمر بالقول: "الملف لا يزال في يد المُقرّر ولم يُبتّ الأمر بعد"، نافيةً مسألة طلبها "سحب" الملف اليها، مُشيرةً الى أنها بانتظارالانتهاء من اعداد التقرير واجتماع الهيئة ليُصدر الحكم فيها.

سياسة كسب الوقت

حتى الآن لم تردّ هيئة القضايا في وزارة العدل، الجهة المكلّفة الرد نيابة عن مجلس الوزراء، على المراجعة. يقول المعنيون في الهيئة لـ "الأخبار"، إن الأخيرة طلبت الاسبوع الماضي مهلة إضافية ذلك أن "أيا من الإدارات المعنية لم تجاوب على المراجعة بعد لنقوم بتسليم جوابنا". أمّا الإدارات المعنية فهي كل من وزارة البيئة، الزراعة، الداخلية، المالية، ورئاسة مجلس الوزراء.
تقول مصادر وزارة البيئة في هذا الصدد، إن الوزارة بصدد إعداد رأيها خلال اليومين المقبلين، مُشيرة الى أن التوجه هو عدم الإعتراف بوجود قضية "ذلك أن مجلس الوزراء هو السلطة المخولة إيجاد القرارات والحلول المناسبة"!




شكري صادر: لا نحل محل السلطة التنفيذية


يقول رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر في اتصال مع "الأخبار"، إنه لم يطّلع على مراجعة جمعية "الإنماء الإجتماعي والثقافي" بعد ليعرف إذا ما كان هناك "أسباب جدّية لإبطال قرار مجلس الوزراء الرقم 1"، لافتا الى ضرورة الاستماع الى جواب الدولة: "كي تكوني قاضية جيدة عليك الاستماع الى الطرفين". لماذا يُتهم المجلس دائما بعدم قدرته على تجاوز السلطة السياسية وينحاز اليها؟ يرد صادر بالقول: "إن مبرر وجود المجلس هو معاقبة السلطة التنفيذية، لكن يُطلب منا أحيانا الحلول مكانها، وهو أمر لا نستطيع القيام به"، ويُضيف: "لا أستطيع مثلا أن آخذ قرارا يتعلّق بالنفايات نيابة عن مجلس الوزراء"، لكنكم تستطيعون توقيفه إذا كان قراره خاطئا؟ يجيب: "لم أطّلع على المراجعة بعد".