صانعو النصر في طرابلس

هؤلاء هم صانعو النصر الطرابلسي

  • 0
  • ض
  • ض

يستمتع الإعلام بلعبة الاختزال عندما يتعلق الأمر بطرابلس. اختُزلت الفيحاء بساحة وأعلام سوداء لفترة طويلة، واختُزل الطرابلسيون بمسلّحين على طرفي شارع ضيق، والشباب بمتطرفين يُسجنون ويُطلق سراحهم على وقع التقلّبات السياسية. وقعت المدينة في فخّ الصورة القاتمة والتعميم القاتل ولم يلتفت أحد لانتشالها.

حتى في انتخاباتها البلدية الأولى بعد سكوت الرصاص، أمعن الإعلام والسياسيون في اختزال حدثها البارز. لم يكلّف كثيرون أنفسهم عناء اكتشاف مَن يتنافس ضد مَن في العاصمة الثانية، فاستسهلوا تقسيم المشهد بين الزعماء السياسيين والوزير السابق أشرف ريفي. ممن تألّفت اللوائح الطرابلسية؟ هل لتلك الوجوه أسماء؟ ماذا يريد الطرابلسيون المنهكون؟ هل يحمل أحد مشاريع إنمائية لأكثر المدن إهمالاً؟ لم تحظَ طرابلس بـ»نادين لبكي» ثانية تجذب الاهتمام الإعلامي اللازم بالتفاصيل الضرورية، فغابت الأضواء عن شخصيات موجودة وفاعلة أنجبت لاحقاً مفاجأة هزّت المشهد الانتخابي كله. لم يكترث الكسالى منّا بأفراد حضروا وعملوا وحشدوا على الأرض، فاكتفينا باستصراح شخصيات الواجهة السياسية البائسين ذاتهم، وأهملنا، نحن أيضاً، الناس الحقيقيين.
فجّرت طرابلس مفاجأتها، وفي عزّ الصدمة لم يستطع الإعلام سوى اللجوء إلى اسم يعرفه جيداً، فكان أشرف ريفي نجم الحدث الجديد وصاحب النصر المدوّي. هذا ما قاله، ولا يزال، خطاب الشاشات السائد، أما الواقع فيقول إن ريفي فاز سياسياً، لكنه ليس وحده من صنع النصر. أبرز الفائزين على لائحة «قرار طرابلس» مجموعة شخصيات لها حيثياتها في المجتمع الطرابلسي وليست محسوبة على ريفي حصراً ولا تؤيد كل مواقفه بالضرورة، فبينهم من كانوا قد فازوا سابقاً في معارك بلدية على لوائح عمر كرامي أو نجيب ميقاتي أو سعد الحريري، وبينهم من اخترقوا اللوائح في جولات سابقة محتدمة. هم أصحاب الشعبية الحقيقية ممن راكموا تأييد وحبّ وثقة بعض سكّان المدينة بعد سنوات من ممارسة الخدمة العامّة في شتّى القطاعات. ولم يصدّق أحد قبل الانتخابات ما قاله بعض محبيهم عن أنهم «لا يمكن أن يخسروا».
أدرك اللواء بذكاءٍ، قوة هؤلاء، لكنه لم يثق بالناس، فحلم بتحقيق خرق واحد يُسجَّل له انتصاراً، فيما كان بعض أعضاء «لائحته» متأكدين من حجم قواعدهم وواثقين من الفوز، أكثر منه. وضع ريفي موقفه السياسي الحاد كرزة على كعكة جهودهم، فاكتملت عناصر الحشد والنجاح. وفي ظلّ تخلّي السياسيين أصحاب الأموال عن المفاتيح الانتخابية تلك وارتكاب الأخطاء المميتة بحق الشارع وأهله، صبّت كل الأصوات تلقائياً في صندوق واحد.
فازت «قرار طرابلس»، فأعلن ريفي أمام الكاميرات برنامجاً سياسياً إقليمياً حتى قبل اكتمال النتائج النهائية للفرز! مؤشر سلبي لمدينة أنهكتها برامج السياسة الفردية على حساب الإنماء والازدهار والأمان. في نفوس بعض محبّي المدينة خشية، لا يخفونها، من تطرّف ريفي السياسي وجنوحه للّعب بالنار حتى ولو على حساب مستقبل المدينة واستقرارها.
رغم كل ذلك، لا يمكن مَن يحبّ طرابلس إلا أن يُسَرّ بصفعة هزّت «وحوش المدينة» الذين خالوا أنفسهم مقبلين على سنوات ستّ جديدة من استغلال المدينة واستضعاف أهلها ومساومتهم على خبزهم وأرواحهم.
في ما يأتي، لمحات عن عينة من أبرز الفائزين على لائحة «قرار طرابلس»، من الذين تختفي أسماؤهم في الإعلام، فيما يعود لهم الفضل الأكبر في صنع المفاجأة الشمالية.

خالد تدمري: وريث تاريخ المدينة يتصدّر أصواتها

الفائز بأكبر عدد من أصوات الطرابلسيين مسكون بمدينته. خالد تدمري (٤٤ سنة)، عضو بلدية طرابلس منذ عام ٢٠٠٤ والأستاذ الجامعي والناشط في المجتمع المدني يعرف تاريخ الفيحاء وواقعها وأسباب فشل مشاريعها والرؤية المستقبلية لها. ابن المؤرخ اللبناني عمر تدمري نشأ بين كتب التاريخ وصور طرابلس القديمة وتأثر باهتمام أبيه، تلميذ الأزهر، بالحضارات الإسلامية. توجه ابن الفيحاء باكراً الى تركيا عام ١٩٩٠ ليكمل دراسته فيها. تعلّم اللغة التركية في أنقرة ثم درس الهندسة المعمارية والترميم والتخطيط المدني في جامعة المعمار سِنان في اسطنبول ونال الدكتوراه منها. تدمري عضو في عدة مؤسسات عربية وتركية ولبنانية تعنى بالآثار والفنون المعمارية. يحمل صوراً فوتوغرافية قديمة من لبنان وطرابلس تحديداً ويشارك بها في معارض في الخارج، ثم يعود بها لتزيّن جدران قاعات المجلس البلدي. سيرته الذاتية تحفل بالمحاضرات والمؤلفات والمساهمات في مجال الخفاظ على الهوية والتراث المعماري.
خطط المشاريع العمرانية وتأهيل المدينة القديمة وتنظيم الشوارع وتنظيفها أولويات حاضرة في ذهنه، يتحدّث عن الدراسات المدنية بالتفاصيل وبالتكلفة والأرقام. يدرك جيداً أن المدينة "الأنيقة" كما يصفها، التي تربّى في أحيائها الشعبية بين أزقّة منطقة الحدّادين وشارع الراهبات، فقدت الكثير من ميزاتها الزراعية والتجارية والجمالية، وحسرته كبيرة على ما خسرته أبرز مدينة قديمة في حوض المتوسط، لكن حماسته للحفاظ على ما تبقى منها يبدو أكبر. "باب التبّانة مثلاً كانت تسمّى باب الذهب لأهميتها التجارية اذ كانت نقطة ترانزيت استراتيجية بين مختلف مدن الساحل المتوسطي وبينها وبين أوروبا"، يشير تدمري مفصّلاً التحوّلات الكارثية التي لحقت بالمدينة الخضراء الزاهرة.
تدمري يفتخر بإنجازات تحمل بصمته مثل "ترميم التكية المولوية وجامع البرطاسي وبرج الساعة الحميدية"، لكن بعض الطرابلسيين يلومونه على "التقصير بالمشاريع طيلة ١٢ سنة من المسؤولية وعلى أخطاء ارتُكبت في بعض ما نُفّذ حتى الآن". يعترف تدمري بأن المجالس التي شارك فيها سابقاً "فشلت في عدّة مشاريع ولم أستطع مع أقليّة من زملائي فرض رؤيتنا".


تدمري:
الدعم الانتخابي من قبل اللواء لا يعني تحالفاً سياسياً معه، وسيقف إلى جانبنا في وجه العراقيل


لكنه يبدو الآن واثقاً بأن المجلس الحالي "الذي يضمّ أكثرية من العاملين في الشأن العام سيحقق النجاحات". "المهمّ أن تكون لدينا رؤية شاملة وخطة متكاملة قابلة للتنفيذ تعود بالفائدة السياحية على المدينة وبالربح والافادة على أهلها"، هو يرى في طرابلس "متحفاً حيّاً" وتلك ميزة يجب استغلالها. تدمري الذي خاض معارك سابقة ضد مشروع سقف نهر أبو علي وضد الترميم الخاطئ لبعض المنازل نشط أخيراً في الحملة الرافضة لمشروع إنشاء مرآب في ساحة التلّ. يبدي استاذ الجامعة اللبنانية أملاً بالحراك الشعبي ــ المدني الذي اعترض على تحويل آخر ساحة عامّة الى موقف للسيارات، ويعوّل على آلاف الشباب الناشطين على الأرض وعبر مواقع التواصل الالكتروني "الذين يبدون اهتماماً كبيراً وغيرة على مدينتهم الجميلة".
كيف فاز البروفيسور استاذ التراث والفنون المعمارية بأكبر عدد أصوات في مدينة الفقراء؟ يجيب تدمري بشكل عام عازياً سبب فوز اللائحة ككلّ إلى "وجود عناصر كانت فاعلة على الأرض منذ زمن في مجالات مختلفة.. فكان الناس أوفياء لها". أما عن نفسه، فيحاول تفسير نتائج التصويت بكونه "قريب من أهل المناطق الشعبية يرونه مهتماً بتأهيل مناطقهم عمرانياً يجول عليهم باستمرار مع وفود رسمية وسياحية وطالبية" فيثقون بجدّيته "إضافة الى شباب الجمعيات المدنية" الذين أعطوه أصواتهم.
ترشّح تدمري "في اللحظات الأخيرة" على اللائحة التي يدعمها الوزير السابق أشرف ريفي، وهو يؤكد أن "الدعم الانتخابي من قبل اللواء لا يعني تحالفاً سياسياً معه"، ويشدّد على أنه "كان قد اتُفق مع ريفي أن لا يكون هناك تسييساً للمجتمع المدني الممثَّل في اللائحة بعدة أعضاء". لكن الناشط المدني يدرك أيضاً أنهم في المجلس "سيحتاجون لدعم الوزير السابق وخصوصاً في مواجهة العراقيل التي يتوقعونها من الفريق النافذ الآخر وهو يثق بأن ريفي سيكون متعاوناً لمصلحة إنماء المدينة كما سيستفيد الجميع من علاقاته وخبرته في العمل الإداري والحكومي".

أحمد قمر الدين «كابتن» لثلاثة عهود بلديّة

يحدّثك أحمد قمر الدين (٦٨ سنة)، بثقة وبهدوء، وبأسلوب العارف بشؤون طرابلس وبلديتها وأهلها وحاجاتها ومشاريعها المقرّرة والمستقبلية... فمنذ عام ١٩٩٨، فاز المهندس المتخرّج من الجامعة الأميركية في بيروت بعضوية المجلس البلدي لثلاث دورات انتخابية، وواكب ثلاثة عهود سياسية ولم يسلّم الكرة بعد. «كابتن» فريق «الرياضة والأدب» الطرابلسي لكرة القدم طوال ١٥ سنة ونائب رئيس اتحاد كرة القدم لحوالي ٢٥ سنة، ترأس اللجنة الرياضية في بلدية طرابلس، وكان نائباً لرئيس البلدية بين ٢٠٠٤ و٢٠١٠. عمله في المملكة السعودية (من ٢٠٠٩ حتى ٢٠١٥) لم يبعده عن طرابلس، فكان يواكب مشاريعها وتقلّباتها عن قرب، خلال زياراته الدائمة للبلد. شعبيته التي برزت في النتائج الاخيرة تعود الى خبرته الطويلة في العمل البلدي ولأيام الملاعب حين كان المهندس وأشقّاؤه يلعبون كرة القدم في الفريق الذي شارك والدهم في تأسيسه (الرياضة والأدب). يتذكّر بعض الطرابلسيين الأخوة قمر الدين كلاعبين ــ نجوم خلال الزمن الجميل الذي عاشته المدينة وملاعبها لفترة طويلة.
رئيس لائحة «قرار طرابلس» (التي دعمها وزير العدل المستقيل أشرف ريفي) يفتخر ببعض المشاريع والهبات التي سعى للحصول عليها وخصوصاً هبة «الاتحاد الدولي لكرة القدم» (فيفا) لإنشاء ملعب عشب اصطناعي. اهتمامه بتنشيط الرياضة في المدينة لم يتوقف، وهو استحصل اخيراً على قرار تلزيم لمشروع ملاعب مغلقة لكرة السلة والكرة الطائرة وغيرها ستقام على أطراف المدينة.
لكن الحديث عن جمال طرابلس هو الذي يحمّسه للكلام. هو يدرك تماماً أن المدينة بحاجة لتنفض عنها غبار المعارك والفوضى لتصبح من أجمل مدن لبنان والمنطقة. «مطالب الناس لا تنتهي لكن ستكون هناك أولويات في العمل» يقول قمر الدين، وأولوياته للمرحلة القريبة تنظيم السير ومداخل المدينة ومخارجها، وزيادة المساحات الخضراء والاهتمام بتنظيف الشوارع وتنشيط مشروع الإرث الثقافي... ولمنطقة التلّ، يقول قمر الدين، هناك «مشروع متكامل قد يسمح بتحويل جزء من المنطقة الى شارع للمشاة حصراً، يصل قلب المدينة بالأسواق القديمة». يضيف: «نريد تقديم صورة راقية عن طرابلس بحيث يفتخر بها أهلها». لكن، أي صورة يحتفظ بها ابن التبانة والقبّة عن مدينته؟ يتحسّر قمر الدين على أراضي الزيتون والليمون التي كانت تمتد من التبانة حتى البحر، ويعترف باستحالة استرجاعها. لكنه يؤكد أن الناس «اختاروا التغيير، وعلينا العمل جاهدين لتلبية آمالهم وإظهار صورة طرابلس الحقيقية الجميلة». المهندس الهادئ يعود للحديث عن مناطق طفولته في التبانة والقبّة وفي جعبته الكثير من المشاريع لها. فهل سيستعيد قمر الدين قميص «الكابتن» ويقود فريق «التغيير» والعمل الجاد، «لِطرابلس»؟

أحمد المرج «صانع المعجزات»

من يرد أن يتعلّم كيف تُبنى القاعدة الشعبية في طرابلس من دون أموال ولا إرث عائلي ولا مخازن سلاح فليأتِ عند «أبو بشير». أحمد المرج (٥٦ سنة) لا يحمل شهادات جامعية، لكنه «أستاذ» في نسج العلاقات الخدماتية والشغل في الشأن العام. هو الذي لم يسعَ لمنصب سياسي مقابل تسهيل أمور أبناء مدينته منذ أكثر من عشرين سنة، لكنه يحصد آلاف الأصوات في كلّ مرة يترشّح فيها للانتخابات البلدية. يفتخر بـ ٥ آلاف صوت حصل عليها في أول ترشّح له عام 1998، «على زمن السوريين، من دون وساطة أي من ضبّاطهم!»، ثم فوزه بعضوية المجلس البلدي بنحو ١٦ ألفاً عام ٢٠٠٤، ولا ينسى حصوله على أكثر من ٧ آلاف صوت عندما ترشح منفرداً عام ٢٠١٠. وها هو بالأمس يتفوّق على الزعامات و»أبناء العائلات» ورجال الأعمال ويفوز بأكثر من ١٧ الف صوت من ناخبي باب التبانة وجبل محسن وباب الحديد ومحرّم والقبّة والزاهرية وغيرها من المناطق الشعبية الطرابلسية، ليحل ثالثاً في ترتيب الفائزين بعضوية المجلس البلدي في عاصمة الشمال.


المرج:
لريفي مصلحة معي لا العكس، وكنت واثقاً قبل بدء الانتخابات بأن فوزنا سيكون مدوياً


لا يعرف أبو بشير ــ احد أبرز أعضاء اللائحة التي «تبنّاها» الوزير أشرف ريفي ــ لماذا انخرط في الشأن العام ولا كيف، لكن ابن التبانة أمسك بمفاتيح تلك «المهنة» منذ زمن. لم يترك منطقته حتى في عز الحرب «كنّا ٢١٥ زلمة فقط في التبانة بمواجهة القصف السوري» في الثمانينيات. وهو شاهِد على زمن ما قبل المحاور، وابن أحد ثوار ١٩٥٨، وصهر جبل محسن، وشبكة معارفه عابرة للطوائف والأديان والمذاهب والمناطق. لم ينس أحمد جميل الوزير سليمان فرنجية عليه، فعمل لسنوات الى جانبه، يوفّر من خلاله الخدمات الصحية لأبناء منطقته الفقراء ويسوّق له سمعة طيبة في بيئة معادية تاريخياً. فتح أحمد باب التبانة لابن زغرتا في التسعينيات، وزرع مكاتب لما عُرِف لاحقاً باسم تيار «المرده» فيها، ثم أغلقها بعدما اختلف «مع جماعة» الوزير. عمل أبو بشير بعدها مع عمر كرامي وسعد الحريري ونجيب ميقاتي في تأمين الخدمات البديهية لعائلات المناطق المحرومة، ولا سيما الصحية منها، بعدما بنى بنفسه شبكة علاقات كبيرة مع مسؤولي المستشفيات والأطبّاء. أدرك أن الظروف السياسية تتبدّل والزعامات تصعد وتنطفئ، لكن حاجات الناس تبقى كما هي. هذا بالتحديد ما لم يفهمه آل الحريري في علاقتهم معه. يروي أبو بشير أن نادر الحريري طلب منه قبل أشهر قليلة من الانتخابات الأخيرة أن يختار بين «الأبيض والأسود» وأن يحدّد صفّه «إما معهم او مع ميقاتي». اختار أحمد الميقاتي، لكن الأخير لم يستطع حتى فرضه في المعركة الأخيرة، رغم علمه بحجم القاعدة الشعبية التي يتمتّع بها. اكتفى ميقاتي بنقل «رسالة الفيتو» من الحريري لأحمد. عندها فقط، قرر أبو بشير أن يتحالف مع الوزير السابق أشرف ريفي الذي كان دعاه مسبقاً للانضمام اليه. بعدها، لم تفلح محاولات الحريري باستعادة ابن التبانة، «عرضوا عليّ أموالاً ومناصب وبعثوا برسائل تقول إن ريفي سيدخل السجن بسبب تورطه في ملفات فساد... لكن ذلك لم يغيّر شيئاً»، يقول. هو الذي يعرف أن «لريفي مصلحة معي» لا العكس، كان واثقاً بأرقامه وشعبيته وقرار المقترعين حتى قبل فتح الصناديق بعدة أيام متحدّثاً حينها عن «نتائج مدوّية»، ردّ عليه ريفي وقتئذ: «اذا خرقنا بمقعد او اثنين فتلك ستكون معجزة!».
لا يريد أبو بشير تحقيق معجزات سياسية، لكنه يريد «معجزات» بناء مدارس في التبانة وإنشاء حدائق وملاعب «فوتبول» ومستوصفات في المناطق الشعبية، وبمعجزة تأمين فرص عمل لشباب المناطق المحرومة لأن «اللي عندو شغل ما بيحمل بارودة». أما السياسيون، فهو لا يزال مقتنعاً بأنهم «لازم يكونوا بالسجن.. وخصوصاً بعدما استخدموا المنطقة وشبابها صندوق بريد بينهم».

رياض يمق: الطبيب الشعبي «محسوب عالبلد»

عندما يبدأ الحديث عن نهر أبو علي، يستحضر الطبيب جسر «فيكيو» في مدينة فلورانس الإيطالية الذي رُمّم بطريقة مدروسة وجميلة بعدما فاض نهر أرنو. يتوقف الزمن لبرهة. «أبو علي» و»فلورانس» في حديث إنمائي من عيادةٍ في أحد أحياء الزاهرية الشعبية، هو آخر ما يمكن أن تتوقعه قبل زيارة الدكتور رياض يمق. ابن القبّة والزاهرية الذي عاش عشرين سنة في إيطاليا، حيث تخصص وعمل في الطبّ، يريد ــــ برغم كل شيء ــــ أن يتفاءل بمدينته! ومدينته هي طرابلس، لافلورانس: يعرف أحياءها وناسها جيداً. تكتظ عيادته بالمرضى وبالمباركين. المرأة المسنّة تدعو له بالتوفيق وتمازحه في صالة الانتظار. الطبيب «الشعبي» لم يؤجل معايناته يوماً واحداً لمناسبة الانتخابات. يردّ على المهنّئين شخصياً وعلى الهاتف بابتسامة خجولة ويشكرهم بتواضع وامتنان.
عاد يمق المولود عام 1958 الى طرابلس عام ١٩٩٥ محمَّلاً بمشاريع وخطط لجعلها على صورة المدن الإيطالية الشعبية الجميلة. فاز بعضوية المجلس البلدي عام ١٩٩٨ مدعوماً من «الهيئات الإسلامية» في زمن السيطرة السورية «ولم يكن ذلك سهلاً حينها». تسلّم لجنة «الأندية الشعبية الرياضية» ومن هناك بدأ مشواره مع أهل الرياضة ولاعبيها وأبطالها، وفي العيادة صورة «عزيزة» له مع أبرز رياضيي المدينة ودرع تقديرية منهم.
عمِل يمق ضمن اللجنة على إنشاء ملاعب في المناطق الشعبية الطرابلسية وتنظيم نشاطات رياضية ــــ تربوية بين المدارس، وتكرّس دوره في العمل البلدي عندما فاز بعضوية ثانية عام ٢٠٠٤ مخترقاً اللائحة الفائزة مع آخرين. برغم الضغوط الإدارية والسياسية وقتها على مرافق المدينة، «لم أكن أساوم على المشاريع التي أتولّاها ولا أقبل سوى إنجاحها وإلا فسأستقيل»، يقول يمق. عناد الطبيب وحماسته عادا ليبرقا مجدداً في عينيه عندما منحه الطرابلسيون أصواتهم بكثرة في الدورة الأخيرة، مرشحاً على لائحة «قرار طرابلس» التي نطق سياسياً باسمها الوزير أشرف ريفي. هو «وفاء الشباب الرياضيين الذين عملت معهم سابقاً» يقول يمق، مقتنعاً بأن جزءاً كبيراً من الأصوات جاء من الرياضيين ومَن عاصروه في الحقب السابقة. ماذا عن الدعم السياسي؟ «لا أرتبط بقرار سياسي... ولم أكن مقرّباً من اللواء ريفي، لكنني أثق بأنه رجل عمَلي»، يؤكد الطبيب قائلاً: «أنا أنتمي الى عائلة متجذّرة في طرابلس منذ أكثر من ٢٠٠ سنة ومحسوب عالبلد» لا على طرف سياسي معيّن. والبلد، بحسب طبيب الزاهرية، هو صورة عالقة في ذاكرته عن أحد الشوارع التي كان يسلكها مشياً للوصول الى مدرسة «الفرير» في صباه، حيث «كانت رائحة بخور الكنيسة الصغيرة ومنظر الشمّاس واقفاً على بابها يختلطان بأبواب المنازل التي علّقت عليها زينة الحجّ»، هو «النسيج المتنوّع الذي كانت تعيشه الزاهرية وطرابلس» أكثر ما يفتقده يمق وأكثر ما سيعمل من أجله. «أعرف أن الظروف الحالية صعبة لكن يجب التفكير ببناء الانسان أولاً»، يشدد الطبيب. صاحب الخبرة في العمل البلدي والمتابع لشكاوى الناس منذ سنوات يتذكر أن «مجلس الإنماء والإعمار كان يعرقل مشاريع طرابلس في معظم الأوقات»، لكنه سيعمل جاهداً في العهد المقبل لانتزاع قرارات بتأهيل منازل التبانة وإنشاء سوق سياحي في الأحياء القديمة.

  • أبرز الفائزين على لائحة «قرار طرابلس» شخصيات لها حيثياتها في المجتمع الطرابلسي وليست محسوبة على أشرف ريفي حصراً ولا تؤيد كل مواقفه بالضرورة (مروان طحطح)

    أبرز الفائزين على لائحة «قرار طرابلس» شخصيات لها حيثياتها في المجتمع الطرابلسي وليست محسوبة على أشرف ريفي حصراً ولا تؤيد كل مواقفه بالضرورة (مروان طحطح) (مروان طحطح)

  • خالد تدمري

    خالد تدمري

  • أحمد قمر الدين

    أحمد قمر الدين

  • أحمد المرج

    أحمد المرج

  • رياض يمق

    رياض يمق

0 تعليق

التعليقات