أثمرت اللقاءات الدبلوماسية في الأيام الأخيرة صيغةً أولية تمهّد الطريق لاتفاق شامل يحلّ الأزمة اليمنية، بعد وضع النقاشات في إطارها السياسي الجدّي للمرة الأولى بعد أكثر من ستة أسابيع من الدوران في حلقة مفرغة.ملامح اتفاق وشيك بين طرفي النزاع اليمني خرجت إلى الضوء يوم أمس، ناتج من استيعاب مطالب الوفدين، وقوامه نقل صلاحيات الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي مع عزل نائبه علي محسن الأحمر، وتشكيل حكومة توافقية ولجنة عسكرية «حيادية» تُشرف على تنفيذ الاجراءات اللوجستية.
حصيلة التفاهم المفترض بصيغته المذكورة، بالرغم من محاولته التوفيقية بين مطلب تشكيل سلطة جديدة وتنفيذ قرار مجلس الأمن، تُعدّ مكسباً واضحاً لفريق حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام»، لجهة تنفيذه نقاطاً تمسّك بها وفد صنعاء الذي يمثل هاتين القوتين، وأبرزها التخلّي عن حكومة هادي الحالية وتشكيل أخرى توافقية يتشارك فيها الجميع، إضافة إلى استبعاد اللواء الأحمر المحسوب على الرياض، والعدوّ اللدود لـ«أنصار الله» ولحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي هيمن أمس على الأنباء الآتية من العاصمة الكويتية، قالت مصادر مواكبة للمحادثات إن الأمر لم يرقَ بعد إلى الاتفاق، وإنه يقتصر حالياً على البحث والنقاش الذي قد لا يتحوّل إلى اتفاق حقيقي، في وقت تكثفت فيه اللقاءات أمس بين الطرفين وبين المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ.
في هذا الوقت، تُمثل الجبهات التي عادت إلى الاشتعال في الميدان اليمني اختباراً لجدّية نيات التوصل إلى اتفاق ينهي عاماً وشهرين من الحرب، لا سيما في ظلّ انهيار التهدئة الحدودية بعدما أعلنت الرياض اعتراض صاروخ باليستي من الأراضي اليمنية على منطقة نجران.
ووفقاً للمعلومات التي سرّبت من اللقاءات أمس في العاصمة الكويتية، تنصّ خريطة الحل السياسي على النقاط الآتية:
ــ عزل نائب الرئيس المعيّن حالياً اللواء علي محسن الأحمر من منصبه.
ــ عودة عبد ربه منصور هادي رئيساً لمدة 45 يوماً من دون صلاحيات، ونقل صلاحياته إلى نائب جديد.
ــ طرح شخصية توافقية تشغل منصب رئيس الجمهورية اليمنية.
ــ تشكيل حكومة توافقية تمثل فيها كل الأطراف، ويُعلن عن تشكيلها في الكويت.
ــ تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية من مختلف الأطراف، شرط ألا تشارك فيها أي شخصية ساندت حرب «التحالف» أو المعارك الداخلية.
وبحسب المعلومات، كان وفد الرياض قد اقترح تعيين رئيس حكومة هادي أحمد عبيد بن دغر نائباً للرئيس، إلا أن وفد صنعاء رفض المقترح وقدم بدائل أخرى، فيما قالت المعلومات إن الجميع اتفق على عزل علي محسن الأحمر. كذلك، رفض وفد صنعاء مقترحاً قدمه رئيس وفد الرياض عبد الملك المخلافي يقضي ببقاء بن دغر في منصبه رئيساً للحكومة خلال الفترة الانتقالية المقبلة.
وكان وفد صنعاء قد ركّز خلال محادثات الكويت على مطلب تشكيل حكومة توافقية تتولى إدارة المرحلة المقبلة، مؤكداً أنه يقبل بمشاركة جميع القوى السياسية في اليمن. أما اللجنة العسكرية المذكورة في الاتفاق، فمن المفترض أن تمارس مهماتها من داخل اليمن وتتولى تسلّم السلاح الثقيل من مختلف الأطراف، فيما أشارت المعلومات إلى أن الطرفين يدرسان آلية تشكيل لجنة ضمانات تكون مسؤولة عن مراقبة تنفيذ اتفاقية الكويت. ومن مهمات اللجنة العسكرية والأمنية، إلى جانب تسلم سلاح الميليشيات، تبنّي خطة لمواجهة التنظيمات الإرهابية («القاعدة» و«داعش»)، تسجيل الأسلحة التي دخلت اليمن من دول التحالف وتسليمها للدولة، الإشراف على انسحاب القوات الأجنبية من اليمن. وكان ولد الشيخ قد تقدم بخطة تضمنت بعض النقاط المذكورة سابقاً، منها تشكيل لجنة عسكرية، إلا أنها تضمنت أيضاً عودة لحكومة هادي بصورةٍ مؤقتة إلى السلطة. وشهدت الأيام الأخيرة لقاءات دبلوماسية عدة عملت على الدفع بالمحادثات التي لم تُؤدّ بصورةٍ رسمية حتى الآن سوى عن اتفاق إطلاق سراح عدد من المعتقلين والأسرى. وبرزت في هذا السياق زيارة وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي تابع جولته على دول الخليج، مشدداً من الدوحة على عدم السماح بانهيار اليمن. وقال، أمس، إن وجهة النظر البريطانية تتطابق «تماماً» مع الرؤية الخليجية حول مشكلة اليمن وآليات حلها، مبيّناً أن بلاده ملتزمة بمساندة الشعب اليمني والحصول على فرصته بأن يكون له مستقبل سلمي.
وأكد هاموند الذي زار الكويت أول من أمس، حيث التقى بولد الشيخ، أنه «لا بديل من الحل السياسي العاجل في اليمن»، مشيراً إلى أن على الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومؤيديه القبول برغبة الشعب اليمني، «فالاقتصاد اليمني يواجه خطر الانهيار إذا لم يتسنَّ استعادة النظام في البلاد واستئناف خط الحياة الاقتصادي الطبيعي».
(الأخبار)