أقرت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، أول من أمس، اقتراح القانون الرامي الى «معالجة الإشغال غير القانوني للاملاك العمومية البحرية»، كما عدلته اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة. يقول عضو اللجنة الفرعية النائب حكمت ديب في حديث لـ «الأخبار»: أن الإيرادات التي ستحصل عليها الدولة تخالف جميع التوقعات التي جرى تضخيمها في الفترة الأخيرة». ويلفت الى أنه جرى التركيز على ضرورة التوصل الى صيغة «يستطيع المخالف تحملها ودفع الأكلاف المترتبة عليه».
على الرغم من ذلك، يركّز ديب على ان اقتراح القانون هو لـ»معالجة إشغال الاملاك العامة» لا قانون «تسوية»، «ذلك ان قانون التسوية يرّتب للمخالف حقوق مكتسبة بوجه الدولة». فيما، تشكك مصادر قانونية وقضائية في كلام ديب، وتؤكد ان هذا القانون، بصيغته الحالية، يراعي المعتدين على الملك العام البحري وينشئ لهم حقا في التعويض ويتناقض والأسباب التي انطلق منها.


الاسباب الموجبة الخادعة

«تعمد بلدان اخرى الى منع البناء ليس فقط على الأملاك العامة البحرية بل أيضاً على الأملاك الخاصة المجاورة للأملاك العامة وضمن مسافة كبيرة ضمن الأملاك الخاصة، ولا يمكن التذرّع بأن تدبيرا من هذا النوع يحدّ من النشاط السياحي، فالعكس هو الصحيح، إذ كلما زادت طاقة استيعاب الشاطئ تزيد إمكانات النشاط السياحي، ولنا في تجربة بلدان أخرى كإسبانيا وفرنسا خير دليل». هذا ما ورد في الأسباب الموجبة لاقتراح القانون. يعلّق المحامي ايلي خطّار، صاحب كتاب «الأملاك العامة البحرية بين القانون والاجتهاد»، على ذلك بالقول: «انهم يتشبهون بدول مثل فرنسا واسبانيا، التي منعت البناء على الأملاك العامة البحرية وضمن مسافة كبيرة على الأملاك الخاصة، فيما هم يشرّعون كل التعديات مقابل غرامات مالية».


إنشاء حق التعويض

تشير المادة الاولى من اقتراح القانون الى «أن معالجة الإشغال لا يرتّب للمخالف اي حقوق مكتسبة بوجه الدولة، ويكون للدولة الحق في اي وقت كان الغاء هذا الإشغال واسترداد املاكها العامة البحرية دون ان يستحق للمخالف جراء ذلك اي تعويض مالي من أي نوع كان». الا ان القسم الثاني من المادة نفسها ينص على: «يتوجب على شاغل اي مساحة من الاملاك العامة البحرية او قعر او جوف او سطح المياه الاقليمية بدون ترخيص قانوني اخلاؤها، ما لم تتم معالجة التعدي وفقاً للقانون». يعلّق مصدر قضائي مطّلع على هذه المادة بالقول: «لقد جرى تعليق جميع أحكام المادة الأولى عبر إضافة العبارة الأخيرة من هذه المادة، اي عبارة «ما لم تتم معالجة التعدي وفقاً للقانون»، وبحسب المصدر، «لا يمكن الإخلاء اذا جرت معالجة التعدي وفقاً لأحكام هذا القانون»، وهو ما يسعى اليه اقتراح القانون، اي جعل التعدي متمتعا بقوة القانون.
يلفت المصدر الى «وجود النصوص التي تبين ان الشاغل سوف يلزم الدولة «تجديد مراسيم الإشغال الى ما لا نهاية واذا قررت الدولة عدم التجديد فإنه سوف يقاضيها ويطالبها بالتعويض». يستند المصدر في كلامه هذا على الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة التي تنص على كيفية احتساب الغرامات عن الفترة اللاحقة لتاريخ المعالجة. ففي هذه الفقرة يرد ما يلي: «تسدد الرسوم عن كل سنة خلال الشهر الأول من السنة (..)»، ما يعني، بحسب المصدر، أن الدولة ملزمة تمديد الإشغال المؤقت طالما ان الشاغل يسدد الرسوم، لافتا الى أن «الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة تشير إلى انه يقتضي إصدار مراسيم إشغال بصورة سنوية، أي انه يقتضي تجديد الإشغاال سنويا إلى ما لا نهاية، ما يجعل المستثمر يكتسب للحق بالتعويض اذا رغبت الإدارة (أي الدولة) بإنهاء الإشغال».

«إن الغائب الأكبر أو المغيّب
عمدًا عن القانون المقترح هو قانون العقوبات اللبناني»


كلام المصدر، تؤكده المادة العاشرة التي ترى أن «الإشغال المؤقت يلغى في حال التخلّف عن دفع المبالغ في مواعيدها»، يقول المصدر هنا انه «بمعنى آخر إذا سدد المخالف المبالغ فإن الإشغال لا يُلغى». يقول المحامي خطّار ان مواد اقتراح القانون في هذا الجانب تخالف القواعد العامة، اذ «إن إشغال الملك العام يكون سنوياً دون أي الزام للإدارة بتجديده، وتحتفظ الإدارة بحق تعديل رسوم الإشغال سنوياً»، لافتا الى «ضرورة الالتزام بهذا المبدأ القانوني في اقتراح القانون لئلا يتحول الإشغال الى ملكية مبطنة».


غياب الرادع القانوني

في البند الثاني من المادة الثامنة التي تلحظ الحالات التي تضع فيها الإدارة يدها على المساحات المشغولة من الأملاك العامة البحرية، يرد ما يلي: «يعد الشاغل الذي لا يخلي المساحات المشغولة معتديا وتطبق عليه القوانين الجزائية التي ترعى هذه الأوضاع». يقول المصدر القضائي ان هذا البند «لا يعد رادعا فعليا للمعتدين، ذلك أن جميع المعتدين على الاملاك العامة تطبق عليهم المواد الجزائية التي ترعى التعدي على الملك العام ولا يجري إخلاؤهم. وبالتالي فإن هذا البند لا يضيف شيئا الى الوضع الحالي ويبقى المخالف مخالفا دون تسوية».
فيما يقول خطار ان المقاربة الأساسية لموضوع التعديات على الأملاك العمومية تنطلق، في اقتراح القانون، من اعتبار اشغال الأملاك العامة البحرية مناسبة لاقتناص المزيد من المال العام عن طريق فرض الغرامات المالية عوضا من الحفاظ على الملك العام البحري عن طريق تحريرها من كل اشغال غير مرخّص وعدم إعطائه طابع الشرعية».


كل اشغالات الشاطئ مضرّة

اللافت أن اقتراح القانون ينص على معالجة الإشغالات المحصورة بالمخالفات التي حصلت قبل عام 1994 فقط، إذ اشترط في المادة الثانية «بأن يكون الإشغال الفعلي قد حصل قبل 1/1/1994 وألا يكون الإشغال قد أدى الى الإضرار بالمواقع الأثرية او التاريخية (...)». كذلك فإن هذا الاقتراح لا ينطبق على الإشغال الذي كان «قد أدى الى تشويه الشاطئ او الى الإضرار بالبيئة او يكون واقعا على مرافق عامة او استثمار مرافئ عامة او مصالح ذات منفعة عامة (...)»، يتساءل المصدر القضائي: «من هو المرجع الذي يحدد إذا كان الإشغال قد أدّى الى الإضرار بالمواقع الاثرية او التاريخية او يمثل خطرا على السلامة العامة او أدى إلى تشويه الشاطئ او إلى الإضرار بالبيئة؟ ومن هو المرجع الذي يحدد أن الاعتداء جرى قبل 1/1/1994؟». وبحسب المصدر، «إذا كان المرجع إداريا يمكن أن يؤدي ذلك الى عدم الالتزام بهذه الشروط بصورة فعلية وإذا كان المرجع قضائيا فيجب تحديد هذا المرجع بصورة واضحة وإعطاؤه الاختصاص لذلك».
يشير خطّار في هذا الصدد الى «أن الغائب الأكبر أو المغيّب عمدًا عن القانون المقترح هو قانون العقوبات اللبناني»، لافتا الى أن «لا مبرر لاعتماد عام 1994 كحد فاصل لتسوية الإشغالات»، فيما يشير احد الناشطين في مجال حماية البيئة إلى ان كل إشغال للشاطىء او ردم للبحر ينطوي على تشويه واضرار ثابتة على البيئة!
ماذا عن التعديات الحاصلة بعد تاريخ 1/1/1994؟
تلفت المادة الثانية عشرة الى تسديد الغرامات المحددة بشأن هذه التعديات على الشكل التالي:
الغرامة= المساحة المشغولة بالتعدي×5×سعر المتر التخميني للعقار الخاص المتاخم حسب المنطقة العقارية التي تقع فيها المخالفة المحدد في المرسوم 2522 تاريخ 15/7/1992 وتجري إزالة هذه المخالفات. و»على الشاغل المخالف ان يسدد المبالغ المتوجبة عليه خلال مهلة ثلاثة اشهر من تاريخ صدور هذا القانون ويستفيد من التخفيضات وأحكام التقسيط المشار اليها اعلاه». يقول خطار انه «يجب ازالة هذه المادة برمتها وعدم قبول اي تسوية، ذلك أنه لا يوجد أي مبرر أو أي اسباب موجبة لتبرير التعديات الحاصلة بعد عام 1994 وذلك لانتفاء القوة القاهرة المتمثلة بالحرب والفوضى وغياب الدولة، فما كان يصلح ما قبل عام 1992 ابان فترة الحرب، لا يمكن تطبيقه على فترة السلم وسيادة السلطة
الشرعية».

إبقاء المنشآت الدائمة

أبقت المادة الخامسة الإنشاءات الدائمة على الأملاك العامة البحرية «التي تعد من الملحقات المكملة للإنشاءات المقامة على العقار الخاص مثل التجهيزات الرياضية والتنظيمية والترفيهية التي يجب إيجادها قريبة من الشاطئ» وقد جرت إضافة «»الكابينات والمطاعم» اليها شرط ان تتحقق فيها المعايير التالية:
الحد الأقصى للاستثمار السطحي: 15% مساحة الاملاك العامة البحرية التي يُسمح بإشغالها.
الحد الأقصى للاستثمار العام 20% من مساحة الأملاك العامة البحرية التي يسمح باشغالها.
العلو الأقصى للبناء فوق مستوى الأملاك العامة البحرية ستة أمتار.
أمّا بقية المنشآت فـ»تهدم على نفقة ومسؤولية المخالف». بمعنى ما، ينحو اقتراح القانون الى تكريس السطو على الشاطىء والبحر كرمى لعيون بعض زبائن الزعماء والمتنفذين.