القدس المحتلة | قرية واحدة من أصل 39 قرية في القدس المحتلة بقيت صامدة عام 1948. أرض السمار شاهد حي على نجاح المقاومة الشعبية في الصمود أمام عصابات الاحتلال، التي شردت نحو 98 ألف مقدسي من تلك القرى. وأرض السمار التي تشكل مساحتها نحو 55 دونماً، هي جزء من قرية لفتا التي تقع شمال غرب القدس، ولكن سكانها لم يخرجوا من أرضهم كما فعل سكان لفتا البلد (ثلاثة آلاف) بعد هجوم العصابات الإسرائيلية عليهم، بل قاوموا حتى تمكنوا من إثبات أنفسهم كمقدسيين، وإجبار سلطات الاحتلال اليوم على تسجيلهم ضمن حملة الهوية المقدسية.
ولا يخفى أن مجزرة دير ياسين في القدس كانت هي الفيصل الذي مكّن الاحتلال من باقي قراها؛ فالأقاويل التي انتشرت عن فظاعة طرق القتل واغتصاب النساء وقتل الصغار جعلت أهالي المدينة وما حولها يفضّلون الهرب على الموت البشع. رغم ذلك، عاشت كل قرية مقدسية حرباً ضارية بين «المجاهدين» (لقب المقاومين آنذاك) وجنود الاحتلال، قبل وقوعها تترا بيد الاحتلال.
عموماً، تتشابه قصص سقوط القرى وخروج أهلها منها إلى حدّ كبير، ولكن قصة الحاجة آمنة أبو ليل (83 عاماً)، وهي من لفتا، تختلف كثيراً، فوالدها ومعه ثلاثة «مجاهدين» آخرين منعوا احتلال ما تسمى لفتا الحديثة (أي أرض السمار نفسها)، حيث كان يسكن فيها أربع عائلات فقط، وتبعد عدة كيلومترات عن لفتا البلد.
«كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً عندما قررت هداسا (مستشفى إسرائيلي تأسس عام 1939 على أراضي قرية العيساوية) إرسال جنود إلى الجزء الحديث من قرية لفتا، وذلك بعد قدوم المعزين إلى بيت والدي لتعزيته بوفاة نجله الذي استشهد خوفاً من بنادق الاحتلال، إذ لم تسعفه سنوات عمره السبع على تحمل ضغط الحرب»، تروي أبو ليل.

منذ عام 1967، سمحت
سلطات الاحتلال لأهالي أرض السمار بالبناء في أراضيهم

فجأة، بدأت نيران الاحتلال تتجه صوب عائلة أبو ليل، ما دفع والد آمنة إلى تهديد جميع نساء عائلته بالقتل إذا بقين في القرية، خوفاً من أن يحل بهن ما حلّ بنساء دير ياسين، فهربت النساء إلى قرية شعفاط المجاورة للفتا الحديثة، وجلسن بين الصخور حتى أشرقت الشمس.
وفي ذلك اليوم، فرّ عدد كبير من أهالي لفتا إلى مدينة رام الله والبيرة، وسط الضفة المحتلة، وسكنوا في قراها، ولكن عائلة أبو ليل آثرت البقاء في قريتها بعدما عجز الاحتلال عن السيطرة عليها. فقد كان جميع من في المنطقة يساعد «المجاهدين» على التغلب على «عصابات الاحتلال» المتمركزة في ثلاث نقاط رئيسية (دار الحكومة في الشيخ جراح ومستشفى هداسا، إضافة إلى الجامعة العبرية)، إذ كانت كل هذه النقاط تطل على أرض السمار.
وتروي العجوز كيف كانت النساء يملأن صدورهن بالرصاص والقنابل ثم ينقلنه للمجاهدين. ولكن الفيصل في معركة أرض السمار والشيخ جراح هو الكمين الذي نصبه «المجاهدون» لجنود الاحتلال عند منطقة كرم المفتي، التي تقع في الطريق المؤدية إلى الجامعة العبرية، حيث استطاعوا تفجير مصفحات إسرائيلية راح ضحيتها عدد من الإسرائيليين. إثر ذلك، حاصر «المجاهدون» الجنود في هداسا والجامعة العبرية.
في تلك اللحظات، وقّعت اتفاقية بين الأردن والاحتلال على عقد هدنة أقرّت بقاء الاحتلال في مستشفى هداسا والجامعة، فيما تقوم مصفحات بحراسة من الأمم المتحدة بإيصال حاجاتهم من الطعام والملابس. وحينما مرّت تلك القافلة على حاجز «مدلي البوم»، الذي كان يفصل القدس العربية عن القدس المحتلة آنذاك، تهاون الحراس في تفتيشها، ما دفع الاحتلال إلى نقل الذخيرة إلى جنوده، فتغيّرت موازين القوى. ولكن عائلة أبو ليل، إضافة إلى عائلتين أخريين، بقوا في أرضهم.
منذ عام 1967، سمحت سلطات الاحتلال لأهالي أرض السمار بالبناء في أراضيهم المشهورة بخصوبتها الزراعية، فازدادت المساحة السكانية فيها، بل اشترت عدة عائلات لا تنتمي بأصولها إلى قرية لفتا عدداً من الأراضي هناك وبنت عليها بيوتاً لها. مع ذلك، تبقى تلك البيوت أقلية بالنسبة إلى الكثافة السكانية الإسرائيلية المحيطة بأرض السمار، مثل مستوطنة التلة الفرنسية ومنطقة سكن طلاب الجامعة العبرية.