مونتريال | 6.3 تريليون دولار ليس مبلغاً بسيطاً. هو فعلياً 6300 مليار دولار أو ما يوازي 10% من الاقتصاد العالمي برمته؛ أي القيمة المضافة التي يولدها كل عامل واستثمار وابتكار. يكفي هذا المبلغ لإنهاء الفقر المدقع في العالم مرّتين خلال السنوات الأربعين المقبلة، وفقاً لحسابات الاقتصادي، جيفري ساكس، في كتابه "نهاية الفقر". وهو أيضاً يُعدّ أكثر من كافٍ لحلّ أزمة الغذاء على 200 كوكب مطابق للأرض، على اعتبار أن كلفة حلّ هذه المعضلة على المعمورة تبلغ 30 مليار دولار سنوياً استناداً إلى الأمم المتحدة.
نعرف جميعاً أن هذا المبلغ الضخم ليس مخصصاً لتحقيق أي من الأحلام المذكورة أعلاه، بل هو فعلياً، يعكس الغنى الكلّي الذي تتمتع به البلدان التي أنعمت عليها الطبيعة بخيرات الموارد، وتحديداً النفط، أو البلدان التي طورت سياسات رشيدة لحفظ مدخراتها المحصّلة من قطاعات مختلفة في صندوق للأجيال.

غنى محفوظ

هذا الغنى تحفظه صناديق استثمارية تدير إيرادات الثروات الطبيعية على نحو فعال اقتصادياً، في المبدأ، لحفظ حق الأجيال المقبلة بخيرات طبيعية قد تنضب قبل أن تولد. وتُسمّى هذه المؤسسات الاستثمارية العملاقة الصناديق السيادية، بمعنى أنها تابعة لبلدان تحفظ عبرها سيادتها ونفوذها ومصالح مجتمعها. ووفقاً للبيانات التي نشرتها أخيراً شركة Preqin للأبحاث، فإنّ الأصول الإجمالية التي تديرها تلك الصناديق بلغت 6.31 تريليون دولار بنهاية آذار الماضي ما يعكس ارتفاعاً بنسبة تفوق 17% مقارنة بنهاية عام 2013. مع العلم أنه خلال العام الماضي وحده سجلت تلك الصناديق نمواً في أصولها المدارة بلغ 900 مليار دولار.
تحقّق هذا النمو بفضل عوائد الاستثمار السخية التي تحقق في ظلّ بيئة اقتصادية عالمية يشوبها التحفّظ والتقشف، وعلى الرغم من أن أسعار النفط والموارد الطبيعية عموماً دخلت مساراً تراجعياً أوصلها أخيراً إلى أدنى المستويات المسجلة خلال قرابة سبعة أعوام.
غير أنّ الصمود أمام تراجع النفط لا يبدو مستداماً، حيث بدأت تلك الصناديق والحكومات المسؤولة عنها تشعر بقرصة النفط الرخيص الذي يجبرها على التوقف عن تغذية الصناديق بأموال طازجة واستخدامها لتغطية العجوزات في موازناتها العامة.

النرويج نموذجاً

فلنأخذ على سبيل المثال أحد أهم تلك الصناديق في العالم، صندوق التقاعد الحكومي في النرويج، وهو مؤسسة استثمارية عالمية تدير أصولاً بقيمة 900 مليار دولار راكمتها من خيرات النفط البحري.

الاستثمارات المباشرة
للصناديق في العقارات بلغت 50 مليار دولار خلال النصف الأول من 2014، بنمو نسبته 23%

أخيراً، أعلنت السلطات في أوسلو أنها ستتوقف عن ضخّ الأموال في الصندوق، وأنها ستعمد إلى استخدام الإيرادات النفطية مباشرة في موازنتها.
في المبدأ، يُمكن السلطات النرويجية وفقاً للنظام الداخلي الذي يحكم صندوقها أن تستخدم 4% فقط من الموارد المتوافرة فيه؛ ولكن خلال الآونة الأخيرة زادت التساؤلات حول طبيعة الاستثمارات التي يتولاها وحول دوره الفاعل في ضمان عمل دولة الرعاية الاجتماعية. هذه التساؤلات هي في صلب النقاش حول الخيارات السياسية المتاحة في البلدان النفطية أكانت في أوروبا، في الشرق الأوسط أو في أميركا.

عالم العرب

وفي هذا الإطار، تحديداً تتوجه الأضواء مباشرة صوب البلدان العربية وتحديداً الخليجية منها.إذ من بين 42 صندوقاً سيادياً تتخطى أصول كل منها 10 مليارات دولار، هناك عشرة صناديق عربية، وتحديداً من الإمارات العربية المتحدة (6 صناديق)، السعودية، الكويت، العراق، عمان، قطر، ليبيا والبحرين.
فقد عانت هذه البلدان خلال الأشهر الست الماضية من الهبوط الحاد الذي سجلته أسعار النفط نتيجة حرب الأسعار التي شنتها السعودية تحديداً، عبر قيادتها لمجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ضدّ منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وتُعد البلدان الخليجية في أمس الحاجة إلى الاستثمارات الاجتماعية وفي المشاريع التنموية المستدامة، من جهة لاستكمال خططها التنموية الموضوعة - والتي تنحرف على نحو خطير نتيجة البذخ وسوء استخدام الموارد - ومن جهة أخرى للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي الذي كاد أن يهتزّ على وقع التحولات العربية منذ عام 2010. ولذا فإن هذه المرحلة حيوية لرسم إطار جديد لدور الصناديق ومستقبلها. الاستثمارات المباشرة للصناديق في القطاع العقاري بلغت 50 مليار دولار بالنصف الأول من 2014