تفتح العلاقات السعودية ــ الإيرانية فصلاً جديداً من التأزم، وقد بدأت تتكشّف عن ردود إيرانية تمثلت، أمس، في قطع الرياض العلاقات التجارية، بإعلان طهران مقاطعة البضائع السعودية وعدم السماح لأي منتجات سعودية التصنيع أو المنشأ بالدخول إلى الأراضي الإيرانية، وحتى بالمرور في المناطق الحرّة المنتشرة على شواطى الخليج، أو على امتداد المعابر التجارية. إضافة إلى ذلك، استنكرت إيران استهداف موقع سفارتها في صنعاء بغارة جوية سعودية، أسفرت عن أضرار مادية وجرحى في صفوف العناصر الأمنية المكلفة حماية السفارة.
حتى الآن، ما تُظهره إيران هو ردود فعل لرد الاعتبار، فأي من الطرفين لن ينكسر أمام تصرفات الآخر. قطع علاقات اقتصادية قوبل بالمثل، كذلك الهجوم على السفارة في طهران، الذي أُدين من قبل الساسة الإيرانيين، فقد قوبل بضرب الممثلية الإيرانية في صنعاء.
ولكن بالتوازي مع هذه التحركات، بدأت حركة الوساطة، منذ اللحظة الأولى لإعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران، فالرسائل المتبادلة بين وزارة الخارجية الإيرانية والجانب الأميركي والأوروبي، بشأن تنفيذ الاتفاق النووي، تحمل على هوامشها متابعة لتفاعلات هذه القضية. والجميع يدرك أن الانفجار الحالي هو نتاج سنوات من الاحتقان المتبادل، ظهرت تجلياته في محاولات الرياض ــ بحسب مسوول إيراني ــ عرقلة الاتفاق النووي، والانزعاج من رؤية وزير الخارجية محمد جواد ظريف على طاولة الحل السوري، إضافة إلى أن من يدير السياسية الخارجية للمملكة العربية السعودية هو سفيرها السابق في واشنطن عادل الجبير، "الذي يكنّ العداء لطهران"، ويتهمها بالتخطيط لمحاولة اغتياله في أواخر عام 2011.
طهران تحذر من المس بالداخل الإيراني: لن نبقى استشاريين

وفي هذا السياق، دفع الإدراك الإقليمي لحجم الأزمة وتداعياتها المحتملة، بوزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، ليكون أول الواصلين إلى العاصمة الإيرانية، حيث استمع مطولاً إلى ما قاله ظريف. الوزير العراقي قد لا يكون محايداً، فهو أدان إعدام الشيخ نمر النمر من على منبر وزارة الخارجية، وأوضح أنه في حال انفلات الأزمة، فإن نيرانها ستطاول، أولاً، بلاد الرافدين، لذا انطلقت الوساطات العلنية، فيما بقيت جهود التهدئة بعيدة عن الأضواء. واستكمالاً للمساعي العراقية، فإن سلطنة عمان، التي استطاعت أن تجمع بين طهران وواشنطن، لحل الخلاف النووي، ستكون محط الوساطة، وخصوصاً أن إيران لا ترى حرجاً في إيصال ما تريد عبر الجانب العماني، وهي معنية بالتهدئة والحوار. أيضاً، فإن غالبية التصريحات الإيرانية تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية تعي حجم المأزق الذي تعانيه السعودية، إن كان في اليمن أو في سوريا أو العراق، وهي ليست في وارد فتح جبهة مع طهران، ستكون تداعيات المواجهة المباشرة فيها ضخمة تتخطى حدود المنطقة.
يمكن تشبيه الأحداث الحالية بمباراة كرة قدم، حيث يجري عراك بين اللاعبين وتُسجّل أهداف، ولكن أن يتطور الوضع إلى انفلات الأمور، وخروجها عن السيطرة لتصل إلى المدرجات وخارجها، فهذا يعني أن الجميع أصبح في عين العاصفة، ولا بد من حصر التأزم ومنعه من الانتشار، والعمل تالياً على تحقيق تهدئة تجنّب الانفجار.
تبقى المواجهة المباشرة مستبعدة، واللعب خارج مضمار الصراع بات أصعب مع التوجهات الإقليمية والدولية إلى مكافحة الإرهاب والحد من خطره، وما تقوم به طهران من جهود، اليوم، يلاقي استحساناً غير معلن في مواجهة "التكفيريين" في سوريا والعراق. وقد يتناسى البعض أن طهران تبذل جهداً مضاعفاً على أراضيها، ويسجل لها، رغم حدودها المشبعة بالإرهاب، أنها لم تشهد عملية أمنية في عمقها، وأفشلت كل المحاولات قبل حصولها، ولن تسمح لأي كان بأن يمس أمنها الوطني على أعتاب الاستحقاق الانتخابي. من هنا، تظهر التحذيرات من الاصطياد في الماء العكر (عبر تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل الإيراني) تحت أي مسمى كان، قد يُخرج طهران عن دورها الاستشاري باتجاه المواجهات المباشرة وتداعياتها، وهو أمر لا يريده أحد أو يتمنّاه.