ترجمة: مبارك وساط
دمِتري أناليس: شاعر يوناني، يكتب بالفرنسية، وُلِد في أثينا سنة 1938. من مجموعاته الشّعرية: «أشرعة للتيه»، «في غياب أدلة، أدْلتِ الريحُ بشهادة»، «منزل التِّيه»؛ «أرض التيه»؛ «أناس الضّفّة الأخرى».
القصائد الخمس التالية مترجمة عن مجموعة «أرض التيه» («ميركور دي فرانس» ــ 1988).

البَحّار الميت

البحّار الذي لا يعلمُ بعدُ
كم بقي له أن يعيش
يُحَدّقُ في نقطة سوداء
تَكبُر
إلى أن تصير نقاباً
لِحِدادٍ مقبل.
وإذ يموت سيسيل دمه
حَتّى قبر الشمس
ويمضي لِيُضَرِّج بالحُمرة
مرّة أخيرة
منارةَ الميناء
جسدُه الذي أُنْزِلَ إلى الرّصيف
يعود، حكايةً خَفِيّةَ الدلالات،
إلى جزيرته
سيُخَصّ بسهرة جديدة
ويُحَضَّرُ قمحٌ مغليّ
في طبق أبيض
لِيَكونَ التراب خفيفاً
وتكون هنالك دموع
ليبقى البحر
دوماً على ملوحته.
اليومَ الحِدَادُ الأخير
وغداً يصبح كل شيء من جديد
مسألة إبحار.

هو المغمور بالغسق

إلى الأبد هو المغمور بالغسق
سيكون في انتظارِ الفجر.
هو لا يعلم، إنّما يحسّ
أنّ النهار لن يكون قَطّ
كما في الماضي.

الحياة ليستْ مَدينةً لأحد

لا تبْحَثْ عن السّبب
أنتَ تدري، الحياة ليستْ مَدينة لأحد
وإنّما للرّمل وحدَه
الذي يُحْرِقُ ألسنةَ ونَظراتِ أولئك
الذين تقرّبوا إليها
بما سوى الصّمت.
بالرّعشة، والرّيحِ، بالبسمة،
و خَفْقِ الأجنحة، تَكونُ حقيقتُها
هي الوجه الخفيّ لِصَحارينا.

إن رأيتَ دما يسيل

إن رأيتَ دماً يسيل
فثمّة سُرّتُنا السِّرّية
التي تَبْقرُها التراجيديا في كلّ مساء
والتي ما إن يلوح الفجر حتى تدلف
من خلل مصاريع أبوابنا.
اِعْلمْ جيداً أن الأمر هكذا
وكرّرْ ذلك أيّها الغريب...

الأرخبيل يُعَلمُنا الوحدة

الأرخبيل يُعَلِّمنا الوحدة
في كُلّ خطوة حلمٌ وجزيرة
وكلّ المصائر تسْهم في نفس اللعبة
مثلما القطيع ورائحة النّار.
إنَّا عميان، أيّها الغريب
والظّهيرة فينا نحن.
تُهيئنا الوحدة لأنْ ننصت
لأصوات الغرباء، ونحن
أنفسنا غرباء.
إلى أن تهبَّ الريحُ العظيمة وقتَ
ذَوَبَان الجليد.