نائم
كان نائماً حين قامت الثورة
لم يغادر سريره
رغم أنه سمع الهتافات الهادرة
من شبّاك غرفته
نام بعمق
كان وحيداً في البيت
في الحي كله
لا ضجيج بائعين
لا صراخ أطفال
ولا نباح كلاب
وحيدٌ
وحرّ
بينما الثوّار هناك
يشيّعون جنازة الحرية.

عجوز

كان مكوَّماً في ركن
قدماه حافيتان
وملابسه ممزقة
والدم يسيل من فمه
عجوز نحيل
لا يقوى
أصلاً،
على الذهاب للحمام
جرفته الثورة إلى هنا
ليصبح ثائراً رغم أنفه.

مناضل

وقف أمام عربة شرطة
أحرقتها الجموع الغاضبة
نفس العربة
التي ركبها
مقيد اليدين،
حين كان شاباً
انتظر هذه اللحظة كثيراً
لكن حين جاءت
لم يشعر بأي فرح
على العكس
فوجئ بحزن
ينساب ببطء
في كيانه كله
وقاوم رغبة حقيقية
في إطفاء ألسنة النار
التي تأكل أغلى ذكرياته.

متشرد

منذ طفولته
وهو يعيش مشرداً هنا
لا أهل
لا عمل
لا أمل
تقافز من الفرح
حين امتلأ الميدان بالثوار
تنازل لهم عن غطائه الممزق
ونصف سيجارة
كان يشبكها خلف أذنه
شعر أنه صاحب بيت حقيقي
يجب أن يحتفي بالضيوف
حين رحلوا فجأة
أحسن بالألم
بوحدة لم يجرّبها في حياته
أطعمهم رغيفه
وسرقوا منه
نعمة العراء.

بائع

كتب قسطنطين كفافيس عن بائع متجوّل، عاش في الإسكندرية
سنة 31 قبل الميلاد. كان وسط الضجيج الكبير وصخب
الموسيقى، ينادي على «بخور»، «زيتون ممتاز»، «زيت شعر»، «لبان»!
لم يسمع أحد صوته. دفعته الجموع بأكتافها، وهي زاحفة للاحتفال
بأنطونيو، الذي كان يتقدم، في اليونان، من نصر إلى نصر.
أنا رأيت نفس البائع
بعد أكثر من ألفي سنة
بين الحشود الهائلة من الثوار
يحمل نفس البضائع
وينادي بنفس الحماس
وتدفعه نفس الأكتاف
كيف أمكنه أن يعيش
كل هذه السنين؟
كيف لم تتلف بضاعته
رغم مرور كل هذا الزمن؟

متسول

أنا مجرد متسول
لكنني
خدمت الثورة
أكثر من الثوار أنفسهم
كيف؟
خدمتها بعدم مشاركتي
بقيت جالساً
على هذا الرصيف،
أمدّ يدي للعابرين
مددتها بحماس
بإخلاص وخسّة
بكل خبرتي في الوضاعة
أنا لا أحلم بحياة أفضل
ولا أهجر مهنتي
يروح ديكتاتور
ويجيء ديكتاتور
وأنا ثابت في مكاني
سلالتي طويلة
لي أجداد في الماضي
وأحفاد في المستقبل
أنا الباقي
أنا الخالد
أنا الواقع من قاع الثورات
أنا حارس الأمل
في الثورة القادمة.

رمسيس

لا بد أن رمسيس الثاني
صحا
مفزوعاً،
من النوم
حين مرت الثورة على المتحف
ركب عربته الحربية
وخرج مسرعاً
ليردع هذه الجموع
التي تحاول الاستيلاء
على كرسيّ عرشه.

بطل

يا إلهي
كم هو رائع
هذا الشاب هناك!
يتقدم الصفوف
ويفتح صدره للرصاص
يعالج الجرحى
ويتنازل عن طعامه القليل للجوعى
كأنه نبي
أنا معجب به
إلى كلّ طفلٍ
يحلم بأن يكون بطلاً:
تعلّم منه
لتثور ضده
بنفس طريقته،
حين يصبح
ديكتاتور المستقبل.

عصفور


أنتم ثُرتم بصدق
كافحتم فعلاً
بُحّت حناجركم من الصراخ
وكادت قبضاتكم تخرق السماء
سال دمكم
وسقط شهداؤكم
لكن الحرية عصفور
يرتعب
ويطير عالياً
لئلا تمسك به
كل هذه الأيدي
لئلا تلتهمه
كل هذه الأفواه الجائعة.

لوركا

رأيت لوركا
وهم يجرّونه
إلى ساحة الإعدام.
لم أجرؤ على إنقاذه
مع أنه أعز أصدقائي
اختبأت في العتمة
وكتمت أنفاسي
خفت أن يعرفوا
أنني أحب أشعاره.
كان يرتجف كطفل
ويولول كأرملة
ويتضرع الى الله كقديس
ويتوسل للحراس كجبان
حتى لا يحرموه من الغناء
للقمر
والشجر
والغجر
(سامحيني يا قلوب محبّيه
لو قلت إنني رأيته بعينيّ
يعوي ككلب
حين وضعوا أصابعهم
على الزناد).
حاول
بكل الطرق،
أن يثبت لهم
أنه لا علاقة له بالثوار
أنه
أساساً،
يخاف البطولات والأبطال
أنه مجرد شاعر
لكنهم أخرسوه برصاصة.
* شاعر مصري