صمتُ آل سعود وحلفائهم عن حصادهم السياسي والعسكري للجولة الاولى من العدوان على اليمن سوف لن يتبدل سريعاً. هم قرروا، أمس، المباشرة في الجولة الثانية التي تركز على الجنوب، وتحديداً على استعادة السيطرة على مدينة عدن، ضمن سياق خفض سقف الاهداف الكبرى، ومن أجل تحقيق نتيجة ميدانية كافية للقول بأنهم يقدرون على الذهاب الى مفاوضات يحققون فيها بعض شروطهم.وبانتظار المواجهات القاسية المقبلة خلال الساعات والايام المقبلة، من المفيد إجراء مقاصة أولى للجولة الاولى.

عند انطلاقة العدوان، أعلن النظام السعودي أن العملية العسكرية جاءت بناءً على طلب الحكومة اليمنية الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، وأن هدفها حدّده الناطق العسكري الجنرال أحمد عسيري بـ«حماية الشرعية في اليمن وردع الميليشيات الحوثية ومنعها من تهديد المواطنين اليمنيين وتدمير قدراتها العسكرية، ومنع الميليشيات الحوثية من تهديد دول الجوار، وعلى رأسها الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية».
قرروا نزع سلاح الحوثيين وضرب
النفوذ الايراني فكانت النتيجة بقاء هادي فارّاً وإعلان وقف النار جاء من طهران

وعند الاعلان عن انتهاء العمليات، قال عسيري إن «الأهداف الرئيسية لهذه العاصفة قد تحققت، وإن الشرعية تمت حمايتها، وإن المواطن اليمني لم يعد معرّضاً للخطر كما كان في الأيام الأولى، وإن الميليشيات الحوثية فقدت جزءاً كبيراً من إمكاناتها». لكنه أضاف هدفاً آخر يتمثل في «حماية مدينة عدن من دخول الميليشيات الحوثية لها والاستيلاء عليها».
أما في الجانب السياسي، فإن الناطقين باسم آل سعود حددوا الهدف الرئيسي بإعادة الشرعية ممثلة بالرئيس الفار هادي إلى صنعاء، بعد «انسحاب الحوثيين من صنعاء وجميع المدن وتسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة والخفيفة من دون قيد أو شرط، وتشكيل لجنة وطنية لتسلم الاسلحة وجردها بالكامل، وأن تتولى قوات عشائرية إدارة العاصمة صنعاء لمدة قصيرة لتعود السلطة الى الجيش بعد إعادة تنظيمه من قبل هادي الذي يجب أن يعود مع حكومته الى صنعاء وممارسة جميع أعمالهم وكافة صلاحياتهم». وتمت إضافة طلبات جديدة، من بينها «رفع الحصانة عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعائلته، ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي، ومنعهم من السفر وتجميد أموالهم وإعادتها لخزينة الدولة»، وأن «يصار الى تعيين رئيس جديد لحزب المؤتمر الذي يتزعمه صالح، بينما يفترض بالحوثيين إعلان أنفسهم حزباً سياسياً في حالة أرادوا المشاركة في أي نشاط سياسي في الدولة»، على أن يصار الى «إلغاء جميع التعيينات والقرارات التي اتخذتها جماعة أنصار الله». وطبعاً لم ينسَ الرئيس الفار أن يعلن بنفسه أن الحرب سوف تستمر حتى «يرتفع علم الجمهورية اليمنية على جبل مران في صعدة بدلاً من العلم الإيراني». وهو ما جاء مطابقاً لتصريحات وزير الخارجية السعودي عن وضع حدّ للنفوذ الايراني، وما عادت وسائل الاعلام التابعة لآل سعود وأشارت اليه بأن هدف الحرب هو إقامة التوازن مع إيران وطردها من جنوب الجزيرة.
عمليات «عاصفة الحزم» تبيّن الآتي:
- عسكرياً، يقوم الجيش اليمني فعلياً على قوات برية، وهو لا يملك كما يدّعي آل سعود منظومة سلاح جو استثنائية، كما لا يملك منظومة دفاع جوي متطورة. أما بشأن الصواريخ الباليستية، فالحديث هنا عن نحو 300 صاروخ «سكود» من الصناعات الروسية القديمة، وهي مخزنة وليست في وضعية التشغيل، ومع ذلك فقد تبين أن العدوان لم يصب أكثر من 10 في المئة من هذا المخزون، بحسب مصادر الجيش و«أنصار الله».
- لم ينجح العدوان الجوي في الحدّ من القدرات الهجومية للجيش أو لأنصار الله، والتقدم بالمئات من الآليات والمدرعات وآلاف الجنود نحو محافظات الوسط والشرق والجنوب. أما الحديث السعودي عن ضرب منظومة الاتصالات وغير ذلك، فتكفي الاشارة الى عمليات التنسيق الجارية على الارض التي تدل على عكس ذلك، أو ربما تلفت انتباه آل سعود الى أن هناك آليات غير تقليدية لمعالجة هذا الامر.
- سياسياً، بقي الرئيس الفار في منفاه الاختياري في الرياض. وليس هناك من مؤشرات تقود الى احتمال عودته الى صنعاء أو الى منصبه السابق، وان عدن لا تزال في غالبية مناطقها تحت سيطرة الجيش والحوثيين، وان إعادة هادي اليها تتطلب اجتياحاً برياً، ولو عن طريق البحر، وهو أمر قيد البحث الفعلي الآن.
- ليس هناك أي توافق، لا أوّلي ولا نهائي، على أي إطار للحل السياسي. بل على العكس، فإن كل المبادرات المطروحة لا تزال دون المقبول. وقيادة «أنصار الله» تقول بوضوح إن أي حل لا يمكن أن يكون استجابة لضغوط قوى العدوان، وإن الاطار الوحيد للتدخل سوف يكون قيد الدرس في حال كان من جانب الامم المتحدة، ووفق البرنامج الذي كان قد بدأه المندوب الاممي جمال بن عمر.
- أما في ما خصّ إيران ونفوذها، فيبدو أنه ليس هناك من داع لشروحات أو تفاصيل، إذ تكفي الاشارة الى أن أول من أعلن وقف عمليات العدوان لم يكن مسؤولاً سعودياً أو عربياً أو حتى غربياً، بل كان مساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان، الذي جزم بأن وقف العدوان سيكون بعد ساعات، بينما كانت القطع الحربية الايرانية تتموضع قبالة خليج عدن وفي البحر الاحمر. وهو أمر ترافق مع كلام إيراني واضح لجميع المعنيين بالامر، بأن هذه القطع سوف تتصرف أحادياً ومن دون العودة والتنسيق مع أي قوة لأجل تقديم العون الى الشعب اليمني. وسوف نكون خلال الايام المقبلة أمام اختبار لحدّ المواجهة، بعدما أعلن الايرانيون أن أولويتهم الآن لتوفير أشكال الدعم الانساني والإغاثي للشعب اليمني.