بدا واضحاً أمس أن السعودية، التي أوغلت في ممارسة الكيدية في وجه إيران، انتقلت في حربها المضمرة ضد الأخيرة إلى مرحلة العلانية، بقطع العلاقات، في خطوة أتبعتها بتحشيد غير مسبوق للحلفاء للحذو حذوها، لم تفلح إلا في إخضاع البحرين والسودان ــ الواقعتين تحت الهيمنة السعودية ــ فيما أبدت الإمارات حداً أدنى من المسايرة، من خلال خفض التمثيل الدبلوماسي الإيراني لديها، خصوصاً أن مصالحها الاقتصادية والتجارية مع إيران تمنعها من رفع سقف تجاوبها مع السعار السعودي.لكن الضربة الأشد جاءت من أنقرة، التي أسست والرياض قبل أيام مجلساً أعلى للتعاون الاستراتيجي. لم تكتف تركيا بإدانة إعدام نمر النمر، بل دفعت موقفها إلى وضع السعودية مع طهران في نفس خانة «الأصدقاء» الذين لا تريدهم أن «يقتتلوا»، وذلك في موقف ترافق مع نأي واشنطن بنفسها عن الملف، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يضفي المزيد من التشويق في سبيل جذب الانتباه إلى حراك المملكة، من خلال الإعلان أنها ستوقف حركة الطيران والعلاقات التجارية مع الجمهورية الإسلامية التي قال إن عليها «التصرّف كدولة طبيعية»، لتعود العلاقات الدبلوماسية المقطوعة.
وكعادته، منذ تسلّمه منصبه، قام بترداد الأقاويل ذاتها التي تندرج في إطار صناعة السعودية للحدث، فقد أكد في مقابلة مع وكالة «رويترز» أن الرياض سترد «على الاعتداء الإيراني»، مكرراً اتهام طهران بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في المملكة وجاراتها في الخليج. لكنه أضاف: «سنوقف حركة الملاحة الجوية من إيران وإليها. وسنوقف جميع العلاقات التجارية مع إيران. وسنفرض حظراً على سفر الناس إلى إيران».
بدا استحقاق يوم أمس إشارة أخرى إلى أن السياسة السعودية، الممارَسة منذ أقل من عام، لا تبدو مقنعة، بما يكفي، بالنسبة إلى أقرب الحلفاء، فردود الفعل الصادرة عنهم لم ترقَ إلى مستوى الضجيج الذي أحدثته السعودية. هم يعرفون خفايا سياسة الرياض الحالية، ويدركون أنه ما إن تخطو إحدى خطواتها المتهوّرة، عليهم أن يلجؤوا إلى مداراتها، آخذين في الاعتبار القيادة الشابة الجديدة، والخلافات على السلطة ضمن العائلة الحاكمة والتي تؤدي، إضافة إلى الظروف الإقليمية وفقدان وهج النفوذ السعودي في المنطقة، إلى التخبّط يميناً ويساراً. ولكن مع ما تحمله القرقعة السعودية الأخيرة من فراغ على مستوى التأثير الظرفي، هي أيضاً تنطوي على آثار سيئة وأذيّة غير مباشرة، حاول حلفاء آخرون،