في العهد القديم، الفصح يعني العبور، فكما عبر موسى من العبودية إلى الحرية بعد خروجه من مصر الفرعونية ووصوله الى ارض الميعاد، عبر المسيحيون مع المسيح الى الحياة الابدية. فالفصح هو الانتقال من الموت إلى الحياة الابدية، ومن العبودية والخطيئة إلى الحرية والتحرر.من هنا، فان القيامة هي أساس العقيدة المسيحية، فجسد السيد المسيح لم ير فسادا، قام ليهب البشرية الحياة الابدية.

البيضة الملونة

مع مرور الوقت، سعى الناس لخلق جو من البهجة والفرح تزامنا مع العيد. فكانت الاساطير التي ربطت بعض العادات بعيد القيامة، كعادة تزيين البيض وتكسيره، واستخدام الارنب للزينة...
يرمز البيض إلى الرجاء في القيامة للحياة الجديدة التي تجسدت بقيامة المسيح، والبيضة نفسها ترمز للقيامة فهي جسم ميت يخرج منها كائن حي. ان كسر الصوص للبيضة والظهور للحياة يمثل ما قام به يسوع حينما كسر الموت ليقوم إلى الحياة الأبدية.
تعود جذور عادة زخرفة البيض وتلوينه إلى العهود الوثنية، عندما كان الناس يحتفلون بقدوم الربيع وعودة الخصوبة. وقد استعملوا آنذاك البيض الملون الذي يمتلك دلالة رمزية على الخصب، كما أن الفرس والفراعنة استخدموا هذه العادة تعبيرا عن الربيع وتجدد الحياة.
الى ذلك، كان للبيضة قدسية خاصة في الديانات القديمة، حيث اعتقد بعض الفلاسفة القدامى أن البيضة هي أصل الخلق، إذ إن العالم بحسب رأيهم كان على شكل بيضة انقسمت إلى نصفين، فالنصف العلوي كون السماء، والنصف السفلي كون الأرض.
ارتبطت عادة تزيين البيض والتباري على كسره، بعيد الفصح المجيد، لدى مختلف الطوائف المسيحية في العالم، لكون المسيحيين كانوا يمتنعون عن تناول كل الاطعمة من المنتجات الحيوانية خلال فترة الصوم، فكانوا يسلقون البيض لحفظه ويتركونه حتى انتهاء الصوم. ومتى انتهى الصوم يكسرون البيض للمنافسة واللعب وخلق جو من المرح مع العائلة والاصدقاء.

الأرنب البري

بدأت اسطورة الارنب البري الذي لطالما ارتبط بفصل الربيع مع الوثنيين الالمان، فآلهة الربيع الانغلوسكسونية كانت تتخذ من الارنب البري رمزا للخصوبة والولادة الجديدة. ثم حوّله المسيحيون الى رمز من رموز عيد الفصح وربطوا هذه الفكرة بمعنى النور القوي الروحاني مع قيامة المسيح، من اجل حياة افضل.
وبحسب التقليد، يترك الارنب البيض في الحدائق يوم احد الفصح وعلى الاولاد ايجادها للّعب بها، وقد وصلت هذه الفكرة الى اميركا عام 1700 من قبل مهاجرين المان، ثم انتشرت في سائر بقاع الأرض.

تنامي الفكر التجاري

مع تطور الفكر البشري، وتنامي الفكر التجاري، بدأت هذه الاساطير تتخذ أوجها اقتصادية عديدة، اذ بدأ التجار يلونون البيض ويبيعونه ويصنعون الشوكولا على شكل بيضة او ارنب.
ثم بدأت صناعة الحلويات التي تتخذ اشكالا من وحي الفصح منذ حوالي مئة سنة، عندما صُنعت بيضة بطعم السكر وكانت مصنوعة من السكر والمرصبان، ومن ثم بدأت تصنع من الشوكولا، ليحول السلوك الاجتماعي للناس من بعض المعاني الرمزية وسيلة للربح المادي البحت.

في هذا الصدد يشير المونسينيور كميل مبارك إلى "انه في البدء، لم تكن الكنيسة تحتفل سوى بعيد الفصح، وكان المسيحيون الاوائل يحتفلون به كل احد لانه اعظم واهم عيد لدى المسيحيين. مع الوقت، رأت الكنيسة ان تحتفل باعياد اخرى كعيد الميلاد واعياد القديسين والسيدة العذراء وذلك ليعود المؤمن الى ذاته. وككل مناسبات الحياة، ترافق الاعياد مظاهر اجتماعية، لذلك من الطبيعي ان يسعى الناس للاستفادة تجاريا. فالزينة التي تضفي جوا من البهجة، قد تترافق احيانا مع نوع من الاستغلال الاقتصادي. ليس بالامر السيئ ان يستفيد التجار من هذه المناسبات، ولا مشكلة بالنسبة إلى الكنيسة اذا رافقت المعتقدات الايمانية بعض الممارسات الفرحة، شرط ان تبقى ضمن اطار معين لا يخرج عن جوهرها."
مع الوقت بدأت تسود الافكار التجارية، وبدأ الناس يبتكرون افكارا جديدة ويسوقونها ويبيعونها، وتمازج الفكر التجاري بالجانب الروحي اكثر فاكثر.
في هذا السياق، يرى الدكتور عصام عطالله، اختصاصي في ادارة السلوكيات البشرية "ان الانسان بحاجة للبهجة والسعادة. من هنا سعى لايجاد الاساطير التي تضيف طابعا خاصا على الاعياد. اما بالنسبة إلى المنحى المادي، فالعمل التجاري، طالما لا يؤذي الجانب الروحي، لا ضرر منه. فيسوع بارك الذي اخذ وزنة وطورها لتصبح أضعافا، من هنا فان التجارة هي علم وفنّ اذا بقيت ضمن نطاق خدمة الانسان."
ويشدد على أن "الخوف يكمن في امكانية ان يستخدم اصحاب العقول التجارية المدمرة بعض الافكار التي تشوه المنعى الروحي للعيد، من خلال تقديم سلع وافكار لا تمت إلى زمن القيامة المقدس باية صلة".
برأي عطالله "فان بعض الاعمال التجارية تحاول تشويه الرسالة الفعلية للعيد، هناك من ينظم الرحلات الاستجمامية والحفلات الصاخبة بمناسبة الاعياد، على الرغم من ان هذه الفترة تتزامن من عطل كثيرة، وحاجة الناس للتمويه، غير ان الرحلات التي تنظم بعيدة كل البعد عن الجانب الروحي الذي يدعو الى الصلاة والتأمل، بل هي أمور تجارية تدمر في مكان ما فكرة الصوم وتروج لامور قد تتعارض مع الايمان المسيحي."
ويختم "اليوم بات الفكر التجاري هو السائد، وقد يتغلب على الروحانيات في احيان كثيرة، والمثال الأبرز على ذلك أنه كان في السابق كعك العيد هو الرمز الوحيد للعيد، اما اليوم فاصبح الشوكولا والمعمول والضيافات المرافقة تقتطع بحسب دراسة اجريت أخيرا أكثر من 130 دولاراً من راتب كل عائلة."

حركة السوق

من جهة اخرى، لم يسعف عيد الفصح حركة الأسواق التجارية هذا العام، كما لم يشفع زمن القيامة لاصحاب المؤسسات، فبقي التراجع الاقتصادي يبسط سيطرته ولو بنسب متفاوتة بين المناطق اللبنانية.
من هنا يكشف رئيس جمعية تجار الاشرفية انطوان عيد ان "نسبة المبيعات في فترة الاعياد لم تتعد 30%، وهي تعد النسبة الاسوأ في تاريخ لبنان. فالمبيعات في ادنى مستوياتها، واقل ما يمكن قوله عن المؤسسات انها تكافح للبقاء فحسب. يعود هذا التراجع لعدة عوامل منها فقدان ثقة المستهلك اللبناني بالعديد من السلع، اضافة الى الاوضاع الاقتصادية الصعبة، والتخوف من التطورات الامنية حيث تتجه غالبية الناس للادخار قدر الامكان".
من جهته، يقول روجيه كيروز، رئيس جمعية تجار كسروان "ان نسبة المبيعات هذه السنة سجلت تراجعا بحوالى 20% عن السنة الماضي التي بدورها مثلت خسارة عن السنوات التي سبقتها".
مع العولمة اليوم بات من السهل ادخال الافكار التجارية، لان الانسان اصبح في كثير من الاحيان، كائنا ماديا مبرمجا ليكون “مستهلكا”. هذا ما يشوه جوهر العيد ورمزيته ليحوله مجرد مناسبات للإنفاق.