يتحدّث النقابي حنا غريب، الرئيس السابق لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، عن المعركة المفتوحة التي يخوضها المعلمون باسم هيئة التنسيق النقابية منذ سنوات ثلاث، "والتي لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ سبعينيات القرن الماضي"، من أجل حقوقهم، وأهمها مشروع سلسلة الرتب والرواتب.
التحولات في القوى البورجوازية الحاكمة، والسياسات الاقتصادية المتبعة عبر التحول إلى الريوع المصرفية والعقارية، وتهميش القطاعات المنتجة... جعلت من الهيئات الاقتصادية الحاكم الفعلي في البلاد، وما السياسيون اللبنانيون سوى "شغيلة" عند هؤلاء، برأي غريب. أهم القطاعات التي همشت هي قطاع التعليم. حينها وصفه وزير المال الأسبق (ورئيس كتلة المستقبل النيابية)، فؤاد السنيورة، حرفياً بقوله: "أنتم قطاع غير منتج، والاستثمار فيه هدر للمال العام، ونحن نستثمر في الربح السريع".
عشية الحرب الأهلية بلغت موازنة التعليم 22% من مجمل إنفاق الموازنة العامة. في عام 1994، وفي سياق إرساء نمط الاقتصاد السياسي المتبع، تراجعت النسبة إلى 7%، علماً بأن عدد الأساتذة تضاعف 3 مرات. وضرب بعدها التعليم "كمّاً ونوعاً"، من خلال ضرب أساسات التعليم، أي ضرب الروضات الرسمية ومعلمي ومعلمات التربية الحضانية، لمصلحة التعليم الخاص ومؤسساته (7% فقط من تلامذة لبنان في الروضات الرسمية).

يعطي النقابي محمد قاسم، في مداخلة له، مثالاً عن ضرب التعليم، وهو مشروع خريطة المدارس، القاضي بدمج المدارس ضمن تجمعات في 300 نقطة بهدف الاندماج الاجتماعي، لكن السلطة فضلت وجود مدارس بالمفرق لكل مذهب وطائفة وقرية في 1200 مدرسة. ويذكر أن اتحاد المؤسسات التربوية (ممثل المدارس الخاصة) كان الخصم الأعند لهيئة التنسيق النقابية.
الضربة الثانية للتعليم، جاءت من خلال صرف الدولة للأموال على "دكاكين التعليم"، وقصد بها غريب المدارس الخاصة المجانية، وأصحاب هذه المدارس يحصلون عن كل طالب مرة ونصف الحد الأدنى للأجور! يقول غريب إنه عندما أعطي للطوائف، عبر المادة العاشرة من الدستور، كي يكون لها مدارسها، حُرم الطفل حقه بالتعلم، "إلا ضمن القطيع". يقارن غريب هذه النقطة مع واقع الأجور المتدنية جداً للأساتذة في المدارس الخاصة (هناك أجور تقل عن الحد الأدنى للأجور)، رغم الكلفة العالية للتعليم فيها.
إزاء هذا الواقع، توحّد الأساتذة في القطاعات كافة، وتوحدت نقاباتهم، لتخوض هيئة التنسيق النقابية المعارك، عن كل النقابات العمالية، في ظل تآمر الاتحاد العمالي العام على حقوق المواطنين. وحققت الهيئة مكاسب عدّة، عبر إسقاط مشروع التقاعد الوظيفي في مظاهرة 14 أيار الشهيرة. وخاضت الهيئة عام 2010 معركة تصحيح الأجور مع الوزير السابق شربل نحاس، ومنذ سنوات ثلاث، تقود الهيئة حراكاً قاسياً وصعباً.
يشرح غريب أن أخطر ما تحاول السلطة فعله هو فكفكة السلسلة، "يعطى أساتذة الجامعة 121% زيادة على أجورهم، وتحرم القطاعات الأخرى هذا التصحيح. ويجري تحديد فارق بمقدار 54 درجة بين راتب الأستاذ الثانوي وراتب الأستاذ الجامعي، أي 108 سنوات خدمة؟". والأخطر، بحسب غريب، أن تقر السلسلة بالصيغة التي تريدها "حيتان المال" ليصبح مفهوم الأجر في القطاع العام مثل ما هو في القطاع الخاص، خاصة أن الصيغة المطروحة تؤدي إلى وقف التوظيف في الدولة اللبنانية وتغليب منطق التعاقد الوظيفي عموماً، وخصوصاً في القطاع التعليمي، ومحاولة فرض إجراءات تمول هذه السلسلة من جيوب المواطنين، "وهذا هو مشروع السلسلة الذي نرفضه".
يرى غريب أن للتحرك الممتد على السنوات الثلاث قيمة كبيرة على المستوى الاجتماعي والنقابي والمعنوي. "ونحن نرى اليوم هذه القيمة وهذه الإنجازات في لهجة النقابيين التي ارتفعت في وجه أرباب العمل والسلطة السياسية، وهذا هو الإنجاز المعنوي الذي حققته هيئة التنسيق". لذلك، يقول غريب، تأسس التيار النقابي المستقل، الذي سيعارض "من داخل الهيئات النقابية ومن خارجها" أي محاولة للانتقاص من الحقوق. "وسنكون العين الساهرة على سير النضال النقابي في وجه كل من يقف في وجه حقوق المواطنين".