أياً كان التفاعل العلني الرسمي الاسرائيلي مع التطورات الميدانية التي يشهدها جنوبي سوريا، يبقى المسلّم به أن ما يجري يحتل أولوية متقدمة في سلم اهتمامات وحسابات المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين. هذا الاهتمام ينبع من خصوصية ساحة المعركة في الجنوب السوري المحاذية للجولان المحتل.
لإسرائيل أيضاً تقديراتها حول المسار الذي تسلكه التطورات في سوريا، والتي تتمحور في مجملها حول استمرار «التعادل الاستراتيجي» كما ورد في التقدير الاستخباري السنوي. في مثل هذا السيناريو، فإن استمرار سيطرة جماعات مسلحة أولويتها مواجهة محور المقاومة، أمر يصبّ في قلب المصلحة الاسرائيلية، بل هو مطلب إسرائيلي لتوفير قدر من الأمن على الخط الفاصل وإيجاد منطقة عازلة تفصله عن محور المقاومة. ولم يعد الامر يحتاج الى جهد تحليلي لإثباته بعد عدوان القنيطرة.
ورغم أن تشخيص المصلحة هو المنطلق، من ضمن أمور أخرى، لاستقراء الموقف المفترض لصانع القرار السياسي في تل أبيب، لكن ذلك غير كاف في ظل وجود عوامل مؤثرة في بلورة القرار، أولها ما يتصل بمعادلات القوى في المنطقة، إذ إن ما يجري في سوريا لا يقتصر فقط على أبعاد داخلية، بل إن الادوار التي تؤديها الاطراف الاقليمية والدولية هي العامل الاهم المتحكم في مساره وآفاقه.
السؤال الذي يفرض نفسه، في ضوء التطورات الميدانية الحالية، هو عن ردّ الفعل الاسرائيلي العملاني في مواجهة تقدم الجيش السوري، وهو أمر محصور بين خيارين: إما توجيه رسائل سياسية أو عملانية ردعية، وإما القفز مباشرة الى التدخل العسكري الواسع كجزء من مجريات المعركة؟
يمكن القول إن إسرائيل وجهت رسالتها الردعية، عبر عملية اغتيال ضابط إيراني وكوادر من المقاومة في القنيطرة في الثامن عشر من الشهر الماضي. لكن الاسرائيلي تلقى نوعين من الرد الرادع: الأول، تدفيع إسرائيل ثمناً مؤلماً ثبت أنه كان يمكن أن يكون أكثر إيلاماً (بحسب تحقيق رسمي صادر عن جيش العدو) والثاني، والأهم، إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تغيير المعادلة السابقة من خلال الرد المفتوح على الساحات والاساليب والتوقيت. هكذا، يكون محور المقاومة قد رمى الكرة في الملعب الاسرائيلي، عبر إعلامه مسبقاً بالأثمان التي سيدفعها في حال تجاوز الخطوط المرسومة.
اما في ما يتعلق برفض التكيف مع المعادلة الجديدة، والانتقال الى تدخل عسكري مباشر في مجريات القتال في الساحة السورية ضد الجيش السوري، فقد بات من الواضح أنه سيؤدي الى استدراج تدخلات إقليمية مقابلة، وبمعدلات أشدّ وأخطر، بما يؤدي الى سيناريو متدحرج على مستوى المنطقة.
عملياً، التقدير الواقعي يقول إنه ليس أمام العدو سوى الابتعاد عن التدخل العسكري المباشر والاكتفاء بالدور الذي يؤديه على المستويات اللوجستية والاستخبارية، والرهان على الادوات والسيناريوات الاخرى التي تتمحور حول استمرار القتال. على سقف مطالبها صار الرهان يتغير من الامل بتغيير شامل في سوريا الى منع محور المقاومة من تحقيق انتصار استراتيجي يشمل كامل الساحة السورية.