خلال الاسابيع القليلة الماضية، قررت الادارة العليا للقرار في محور المقاومة إطلاق معركة تحرير جنوب سوريا من المجموعات المسلحة، ورسم واقع سياسي وعسكري وأمني جديد على طول الحدود مع الاردن وفلسطين المحتلة. القرار الذي درس بعناية، كان قد سبق اعتداء العدو في القنيطرة، والذي أدى الى استشهاد 6 مقاومين لبنانيين وضابط كبير في الحرس الثوري الايراني. وهو الاعتداء الذي بات واضحاً، الآن، أنه جزء من عملية كبيرة هدفها توفير أشكال جديدة من الدعم للمجموعات المسلحة من قبل المحور المناهض. لكن الجديد، وليس المفاجئ، هو أن الامر لم يقتصر على إسرائيل وبعض الاجهزة الامنية العربية، ولا سيما السعودية والقطرية، بل إن حكومة ملك الاردن قرّرت الانخراط الكلي في هذه العملية.
وفي معزل عن كل الوقائع التفصيلية المتعلقة بقضية الطيار معاذ الكساسبة وطريقة قتله وتوقيتها، إلا أن الأكيد هو أن ردّ فعل حكومة الملك جاء ليخدم قضية أخرى، وإن حاول في طريقه إنعاش وطنية أردنية واهية، تكون أوهى عندما تصير ربطاً بأحلاف مع الاميركيين والصهاينة. وردّ الفعل جاء افتتاحاً لمرحلة جديدة من تورط الاردن في خدمات «المقاولة الامنية» التي دأبت السلالة الحاكمة في هذا البلد على القيام بها وتوفيرها لكل قوى الاستعمار العالمي، وحتى لوكلاء الاستعمار عندنا، وفي المقدمة إسرائيل.
قرار تحرير جنوب سوريا يوازي قرار حماية
دمشق، ونتائج إضافية مرتقبة في العراق


وبما أن الجميع، وخصوصاً قادة الارهاب في عمان وتل أبيب، يراجعون تفاصيل نتائج المواجهة القائمة الآن في جنوب سوريا، فمن المفيد الاشارة الى أن قرار منع وقوع جنوب سوريا في أيدي عملاء إسرائيل أكثر استراتيجية من أي قرار آخر، وهو يضاهي بأهميته قرار منع سقوط دمشق في أيدي العملاء أنفسهم، وقد تقرر توفير كل مستلزمات تحول هذا القرار الى نتائج على الارض، وكل مستلزمات أي نوع من أنواع التصعيد المباشر أو غير المباشر الذي قد يحصل في تلك المنطقة، بما في ذلك احتمال تورط العدو الاسرائيلي في أعمال عدوانية جديدة.
لكن ماذا عن الأردن؟
بعد فشل تركيا في الحصول على الغطاء الكافي لقيام جيشها بعمليات برية داخل سوريا وحتى داخل العراق خلال العام الماضي، وإزاء عجز القوات الاميركية والغربية عن التورط في عمليات برية من هذا النوع، وربطاً بالوقائع الفعلية لتطور المواجهة مع تنظيم «داعش» في العراق، والتي حققت نتائج مخالفة تماماً لتقارير وزارة الدفاع الاميركية، فإن من المنطقي أن تبحث الولايات المتحدة في سبل القيام بأعمال من شأنها وقف «الزحف السريع» من قبل المحور المقابل. وهي التي تعلم علم اليقين أن المواجهات التي جرت في العراق، من آمرلي الى ديالا وصلاح الدين، لم تكن تحتاج الى أي دعم أميركي، لا جوّي ولا برّي ولا حتى معلوماتي. بل إن القادة العسكريين الاميركيين الموجودين في العراق سمعوا كلاماً مباشراً، تولى قائد قوة القدس الايرانية الجنرال قاسم سليماني قوله للعراقيين صراحة: «هذه معركتنا. لا نحتاج الى دعم الاميركيين، ولا نرغب في رؤية وجوههم بالقرب منا. ومن الافضل لهم الابتعاد عن ساحات القتال حيث نوجد، لأننا سنتعامل معهم على أساس أنهم قوة معادية».
يعرف الاميركيون أيضاً أن البرامج التي يعمل عليها في العراق، بإشراف إيراني ومشاركة الجيش العراقي وقوى الحشد الشعبي وخبراء من حزب الله، تتجه صوب خطوات كبيرة في مناطق مثل سامراء والفلوجة والرمادي، وسيكون الجميع أمام مرحلة جديدة، عندما ينحصر وجود «داعش» ومن معه في الموصل والانبار، وحيث ستكون المعارك هناك مختلفة لأسباب كثيرة، ليس أقلها البعد المذهبي الممكن استخدامه من قبل السعودية وقطر والاميركيين.
الجانب الآخر من المسألة يتعلق بتطورات الوضع الميداني في سوريا، حيث بدأت الانعكاسات السلبية لهزائم «داعش» على عمل مجموعاته، وحيث تصاعدت الاحتجاجات السياسية والشعبية في المناطق التي يسيطر عليها، والتي ترافقت مع ارتفاع حدة القتال بين المجموعات المسلحة، وهو أمر لن يكون منفصلاً عن برامج خاصة لاستعادة الجيش السوري، بمعاونة حلفائه، السيطرة على مناطق كثيرة في شمال سوريا وشرقها.
مثل كل مرة، لجأ العدو الاميركي ـــ الاسرائيلي وعملائه في قطر والسعودية الى طلب الخدمات المباشرة من «المقاول الأمني» نفسه. ووجد هؤلاء أنه بمقدور الجيش الاردني المبادرة الى قيادة عمليات برية، بعد حشد آلاف العناصر من أبناء العشائر العربية تحت قيادته، ليتولوا هم الحلول محل «داعش» في مناطق غرب العراق أولاً، ثم الذهاب نحو سوريا إذا نجحت التجربة... وفي عقل الارهاب الدولي أن دخول الاردن من شأنه قطع الطريق على المحور الآخر، وأن حاكم الاردن يمكنه تولّي المهمة وكأنها رحلة سياحية.
لكن، مع تطورات الجنوب في سوريا، ومع تطورات مرتقبة قريباً في العراق، وتوازن أكثر رعباً مع إسرائيل، بات من الواجب على الوطنيين في الاردن رفع الصوت عالياً: إياكم وإرسال الأبناء الى خلف الحدود!